29
منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام

وبعبارة اُخرى فإنّ الإحساس بالمسؤوليّة تجاه الإمام الحسين عليه‏السلام قد امتزج مع الحماس الذي يعتري كلّ إنسان عند دراسة نهضة عاشوراء، فدفعهم هذا الإحساس إلى التساهل في التعامل مع الروايات العديمة الأساس أحيانا، ممّا أدّى بهم أحيانا إلى أن يعتمدوا على الروايات الشفويّة أيضا، والتي سمعوها من هنا وهناك، أو من بعض الخطباء وقرّاء المراثي، وأن يذكروا في كتبهم إضافات لا تنسجم مع حادثة عاشوراء وتتعارض مع أهدافها، فضلاً عن اعتمادهم على الكتب المتدنّية المستوى، أو المجهولة، أو حتّى المنتحلة.

نعم، وجود بعض الأرضيّات وعدّة من العوامل أسهم في تكريس هذه الظاهرة، ومن جملتها ظهور اُسلوب نسج القصص وتقديم القراءة الشيّقة التي تتّخذ من السامع محوراً لها، وهو الاُسلوب الذي ظهر على أساس نزعة الإنسان الطبيعيّة إلى الحكاية والنقل الشيّق للأححداث، ونزعة الناس الفطريّة إلى تكريم أبطالهم ورفع مستواهم البطوليّ. بل حدا بالبعض إلى الإعراض عن الآيات والروايات الرادعة عن الكذب وانتحال مصطلح «لسان الحال»، بل إنّهم أجازوا الكذب في بعض النماذج !

وبتسرّب هذه اللغة الخياليّة والعاطفيّة والقصصيّة إلى المنابر، تكون دورة النقل الشفويّ إلى النقل التحريريّ قد اُكملَت ؛ حيث نَفَذَ ماكان قد انتُحل وقرئ باعتباره رثاء أو نياحة، ونَقل حكايةٍ بهدف إثارة المشاعر ـ بمرور الزمان ـ إلى الكتب، وتحوّل ـ للبعض ـ إلى سند تاريخي صالح للاعتماد ؛ اُولئك الذين لا يميّزون بين المصادر القديمة القريبة من حادثة عاشوراء وبين الكتب التي اُلّفت بعد قرون منها !

كلّ ذلك بالإضافة إلى الأخطاء الطبيعيّة التي تقع في نقل الأحداث التاريخيّة، مثل: خطأ الذاكرة في النقل الشفويّ، وخطأ العين عند الكتابة، والذي يحدث عند كتابة المخطوطات وقراءتها، خاصّة إذا كانت المخطوطة كثيرة الخطأ أو سيّئة الخطّ.


منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
28

الحادثة التاريخيّة.

ولحسن الحظّ فإنّ المصادر التاريخيّة القديمة وكتب السيرة تناولت حادثة عاشوراء وكربلاء بشكل بلغ من الدقّة والتفصيل بحيث تظهر ـ بمقارنة بعضها مع البعض ـ الأخطاءُ والاشتباهات التي هي من سجايا البشر، كما تظهر التغييرات المُغرضة في بعضها، وتشكّل هذه المصادر القديمة ووجوه الاشتراك التاريخيّة إلى جانب المحافظة على معايير نقد النصوص والإسناد التاريخي، أساسنا في تقييم اعتبار الكتب المؤلّفة وسنديّتها في العصور اللاّحقة.

وبما أنّ حادثة عاشوراء تمثّل أحد الأحداث الدمويّة في تاريخ إمامة الشيعة، فإنّ من اللاّزم تقييم الروايات والمصادر المرتبطة بعاشوراء بمعيار عصمة الإمام عليه‏السلام أيضاً، واتّخاذ السيرة السلوكيّة لأئمّة الشيعة معياراً في تقييم ما ينسب إليهم.

وعلى هذا الأساس، فإنّ الكتب والمصادر التي لم تستخدم اُسلوب النقد في عرضها للنقول التاريخية، ولم تطابق تلك النقول مع المصادر التاريخيّة المعتمدة، أو لم تلحظ اختلافها مع سيرة الإمام الحسين عليه‏السلام وأصحابه وكراماتهم ومنزلتهم وطبيعة شخصيّاتهم ؛ فهي في نظرنا مبتلاة بالضعف وخارجة من دائرة الاعتبار والنقل والاستناد، فكلّما تضمّن الكتاب عددا أكبر من الروايات الفاقدة للأصصل والسند أو غير المنسجمة مع كرامة هذه الشخصيّات الكريمة والأبيّة، فإنّ ذلك يزيد من ضعف الكتاب، وكلّما كانت أمثال هذه الروايات فيه أقلّ فهو يتمتّع بقيمة أكبر.

وهذا يعني أنّ نقدنا في هذا المجال يتوجّه إلى محتوى الكتاب لا إلى مؤلّفه، ذلك أنّ بعض مؤلّفي هذا النوع من الكتب هم من الذين بادروا إلى التأليف بدافع إعجابهم بهذه الملحمة التاريخية وشخصيّة الإمام الحسين عليه‏السلام وأصحابه، وتقديراً لتضحياتهم، وكتبوا في مجال يختلف اختلافاً أساسيّاً عن ثقافتهم العلميّة، مثل: الفقه وتفسير القرآن، دون أن يكون تخصّصهم الأصلي هو التاريخ والسيرة.

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ سيد محمود الطباطبائي نژاد؛ السيّد روح الله السيّد طبائي؛ تلخیص: مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 16113
صفحه از 895
پرینت  ارسال به