447
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

وتطالعنا أساليب مختلفة في التمثيلات القرآنية، فقد تتحوّل المفاهيم الذهنية التي لا يمكن تحقّقها إلى أشكال محسوسة:
« إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى‏ يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِ‏ّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُجْرِمِينَ ».۱

وأحياناً تتجسّد فيها الحالات النفسية والروحية، مثل:
« قُلْ أَنَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى‏ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِى اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَطِينُ فِى الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى‏ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِ‏ّ الْعَالَمِينَ ».۲

وتصوّر في بعض المواضع النماذج الإنسانية البارزة، كقوله تعالى:
« وَ لَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ».۳

والقرآن مملوء بالأمثال؛ لأنّ التمثيل ليس فاقداً للعيب فحسب - كما اعتبر بعضهم التمثيل بالأشياء الوضعية والحقيرة أمراً بعيداً عن شأن القرآن، وعدوّه عيباً۴ - بل هو كمال يزيد من أسرار الأدب والبلاغة.

فقد جاء في القرآن:
« إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَ يَهْدِى بِهِ كَثِيرًا وَ مَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ».۵

1.الأعراف: ۴۰.

2.الأنعام: ۷۱.

3.الحجر: ۱۴ - ۱۵.

4.راجع: لباب النقول: ص ۸.

5.البقرة: ۲۶.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
446

« لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِاُّولِى الْأَلْبَبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى‏ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلِ‏ّ شَىْ‏ءٍ وَ هُدًى وَ رَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ».۱

والتمثيل القصصي يبيّن قصص الاُمم الغابرة للأجيال القادمة، وكلّ قصص القرآن من هذا القبيل، وتشتمل في الحقيقة على نوع من التشبيه الخفيّ، وهو تشبيه اللاحقين بالماضين؛ ولذلك سمّى القرآن العذاباب النازل على الاُمم السابقة ب «المَثُلات»: « وَ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ».۲

ومن هذه الآيات:
« ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيًْا وَ قِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ».۳

وفي المقابل اعتبر بعض آخر قصص القرآن ليست تمثيلية، وذكروا أنّ التمثيل هو تنزيل المعارف السامية وترقيقها بواسطة ضرب المثل؛ وأمّا القصص القرآنية فهي بيان الأحداث الحقيقية للاُمم السابقة، وادّعوا أنّ القرآن يذكر قرينة كلّما أراد أن يبيّن تمثيلاً كي يحول دون الخطأ، واستشهدوا بسورة «الحشر» التي يذكر فيها تمثيلاً لبيان عظمة القرآن، ويذكر في نهايتها بوصفها قرينة:
« وَ تِلْكَ الْأَمْثَلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ »۴.۵

والقسم الثالث من أقسام التمثيل هو التمثيل الطبيعي، وهو تشبيه غير المحسوس بالمحسوس، شريطة أن يكون المشبّه به من اُمور المخلوقات:
« إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ‏نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعَمُ حَتَّى‏ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ ».۶

1.يوسف: ۱۱۱.

2.الرعد: ۶.

3.التحريم: ۱۰.

4.الحشر: ۲۱.

5.تفسير موضوعى قرآن در قرآن: ج ۱ ص ۴۳۸.

6.يونس: ۲۴.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 35722
صفحه از 618
پرینت  ارسال به