423
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

الحقّ، أو للنزاع وحبّ الرئاسة:
« وَ كَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَىْ‏ءٍ جَدَلًا ».۱
« وَ قَالُوا ءَأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ».۲

وفي مقابل الآيات التي طرحت الجدال الأحسن هنالك آيات كثيرة تنهى عن المناظرة والجدال المذموم؛ مثل:
« مَا يُجَادِلُ فِى آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَ جَدَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ».۳

وقد وردت الإشارة في هذه الآيات إلى اُسلوب المتمسّكين بغير الحقّ لإثبات كلامهم الباطل، حيث يسعون بأنواع السفسطات والمعاذير لإبطال الحقّ وإغواء الناس البسطاء. ومن المجادلة بالباطل: السخرية، التهديد، الافتراء، الإنكار من دون دليل، وما إلى ذلك. وقد نُهي بشدّة عن هذا النوع من المجادلات الذي لم تتمخّض عنه سوى الابتعاد عن الحقّ، وظلام القلب، وتجذّر الخصومات والأحقاد.

والمصدر الرئيس للمجادلة بالباطل هو الكبر والغرور والأنانية وعبادة الأهواء، ومنبع الكبر هوالجهل، حيث وردت الإشارة إلى كلّ ذلك في الآيات المذكورة. كما أنّ الإنكار من دون دليل هو أيضاً من المجادلة بالباطل؛ وبناء على ذلك، فإنّ مجادلة المعارضين بالحقّ لا تجوز ولا تجب إلّا على الأشخاص الذين يتمتّعون بالقدرة على إثبات الحقّ؛ ولذلك فإنّ الإمام الصادق عليه السلام لم يكن يمنح الإذن بالمناظرة لأحد سوى أشخاص مثل حمزة بن محمّد(الطيّار) وأمثاله.۴

1.الكهف: ۵۴.

2.الزخرف: ۵۸.

3.غافر: ۴ - ۵ وراجع: غافر: ۳۵ و ۵۶، الحجّ: ۳ و ۸، النساء: ۱۰۷، الكهف: ۵۴.

4.بحار الأنوار: ج ۷۰ ص ۴۰۴.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
422

التفكّر بأفضل أساليب الجدال، وتنزله من مركب الغرور واللجاجة۱. وهكذا الحال بالنسبة إلى مجادلة المشركين في نفي الولاية والربوبية لغير اللَّه وإثبات التوحيد والمعاد.۲

ب - مجادلة أهل الكتاب (اليهود)

هنالك الكثير من الآيات تعنى بهذا القسم من الجدال الأحسن للنبيّ صلى اللّه عليه و آله :
« قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِى اللَّهِ وَ هُوَ رَبُّنَا وَ رَبُّكُمْ ».۳
« يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِى إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَاأَنتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ».۴
« وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَرَى‏ نَحْنُ أَبْنَاؤُا اللَّهِ وَأَحِبَّؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ».۵
« فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ ».۶

وموضوع هذه الآية محاجّته عليه السلام مسيحيي نجران حيث أمر اللَّه نبيّه بعد أن جاءت الأدلّة الواضحة بشأن المسيح عليه السلام ۷ بأن يباهل من يجادله ويحاججه بشأن عيسى عليه السلام كما يباهل الأعداء. ۸

الجدال الباطل‏

الجدال الباطل (المذموم) في مقابل الجدال الأحسن وقد ذمّ القرآن الكريم بصراحة هذا الجدال الذي يتمّ لتمويه الحقّ وردّ الحقّ بالباطل، أو ما كان بهدف غير طلب

1.راجع: الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۶ ص ۳۷۵.

2.الرعد: ۱۶؛ فاطر: ۴؛ المؤمنون: ۸۱ - ۸۹.

3.البقرة: ۱۳۹.

4.آل عمران: ۶۵ - ۶۶.

5.المائدة: ۱۸.

6.آل عمران: ۶۱.

7.آل عمران: ۵۹ - ۶۰؛ المائدة: ۷۲ - ۸۳.

8.الكشّاف: ج ۱ ص ۴۳۳ - ۴۳۴، تفسير الفخر الرازي: ج ۸ ص ۸۲ - ۸۳.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 35263
صفحه از 618
پرینت  ارسال به