417
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

كما فسّرت طائفة الجدال بالتي هي أحسن بأنّه المناظرة بالقرآن والحجج التي تزيل الشبهات وتتصدّى لأقوال الخصم المشوبة بالعناد۱، أو بالجدال الذي يتناسب مع فهم المخاطب وإدراكه‏۲، أو الذي يتمّ لأجل بيان الحقّ من الفرائض‏۳، أو إثبات الحقّ وإبطال الباطل في أمر الدين‏۴. وقد قيل في بيان شامل:

المجادلة إنّما تكون بالتي هي أحسن إذا كانت خاليةمن الشدّة في القول والطعن والإهانة، ولا يكون الجدال أحسن إلّا عندما يقرّب الجدل المجادل إلى الخصم، بحيث يتوافقان ويعينان بعضهما البعض من دون أيّ لجاجة وعناد لإظهار الحقّ‏۵؛ ولذلك فإنّ على المجادل أن يتجنّب ما يثير إنكار الخصم وعداءه، كما عليه أن يبتعد عن مقدّمات الكذب - وإن كان مقبولاً عند الطرف المقابل - إلّا في الحالات التي يريد فيها نقض كلامه، وإلّا فإنّ مثل هذا الشخص يكون قد أقام حقّاً بإحياء الباطل وأحيا حقّاً آخر بإماتة حقٍ‏ّ ما، وهو أمر غير جائز ولا يليق بالمؤمن.۶

ويطرح القرآن الكريم في الكثير من المواضع التي يضلّ فيها الناس ويعجزون عن الوصول إلى الحقيقة أسئلةً وفق اُسلوب النقاشات الجدلية، والمراد من كلّ تلك الأسئلة الجدال بالتي هي أحسن، وسنشير فيما يلي إلى نماذج منها:

۱. الجدال الأحسن مع منكري التوحيد

يسأل اللَّه سبحانه عبدة الأصنام سؤالاً جدلياً قائلاً:

هل من خلق كلّ شي‏ء ومنحكم أنواع النعم الغفيرة، والعالم بظاهر كلّ شي‏ء

1.كنز الدقائق: ج ۷ ص ۲۹۱.

2.تفسير الماوردي: ج ۳ ص ۲۲۰.

3.مجمع البحرين: ج ۱ ص ۳۵۳ مادّة (جدل).

4.بحار الأنوار: ج ۲ ص ۱۲۵.

5.الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۶ ص ۱۳۷ - ۱۳۸، تفسير نمونه: ج ۱۶ ص ۲۹۹.

6.راجع: الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۲ ص ۳۷۲.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
416

وليد روحه، ويميل إليه ويعتبره نتيجة فكره. واستفهامية الكثير من حقائق القرآن التوحيدية تشهد بهذا المعنى؛ كما يجب اجتناب كلّ ما يثير عناد المخاطب:
« وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ».۱

كما يجب الالتزام بالحدّ الأقصى من الإنصاف بشأن كلّ شخص؛ كي يشعر المخاطب بأنّ هدف المتكلّم إيضاح الحقائق؛ فالقرآن يتحدّث عن المنافع الجزئية والماديّة والاقتصادية للشراب والقمار، وفي الوقت نفسه يبيّن مضارّهما:
« قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ».۲

وتعتبر مناظرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله مع الطوائف الخمس (اليهود، النصارى، الدهريين، الثنوية، المشركين) نموذجاً من الجدال بالتي هي أحسن.۳

وللمفسّرين أقوال مختلفة في الجدال بالتي هي أحسن، فقد قال بعضهم - معتبراً اُسلوب الجدال مقياساً - : الجدال بالتي هي أحسن هوالجدال الذي يكون مقترناً باللين والمداراة وحسن المعاشرة ۴ بحيث لا يثير عداء الطرف المقابل ولا يجرح مشاعره.۵

واعتبر بعض آخر الجدال بالتي هي أحسن: الجدال الذي يتشكّل من المقدّمات المقبولة لدى عامّة الناس أو طرف الجدال من خلال الاستناد إلى المقدّمات التي يتوقّف الجدال عليها.۶

وأدخل بعض ثالث النيّة والهدف، واعتبر الجدال بالتي هي أحسن المحاجّة التي تقترن بالرفق واللين واللطافة والصفح والإحسان في مقابل الإساءة، وبنيّة الخير ونصرة الحقّ، ويتجنّب فيه رفع الصوت، والكلام البذي‏ء، والتجبّر والاستهزاء.۷

1.الأنعام: ۱۰۸.

2.البقرة: ۲۱۹.

3.بحار الأنوار: ج ۹ ص ۲۵۷.

4.الكشّاف: ج ۲ ص ۴۳۵، تفسير النسفي: ج ۱ ص ۵۲۹.

5.مجمع البيان: ج ۶ ص ۲۱۱.

6.تفسير الفخر الرازي: ج ۲۰ ص ۱۳۹.

7.التبيان في تفسير القرآن: ج ۶ ص ۴۴۰، التفسير الوسيط: ج ۲ ص ۱۳۱۹.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 37166
صفحه از 618
پرینت  ارسال به