415
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

ويجب أن يقترن الجدال بالتي هي أحسن باللين والوقار والهدوء، وأن يتمّ لنصرة الحقّ، ويكون بالحجّة والدليل المقبول عقلاً، واجتناب أيّ أذى وخشونة وعنف وتشدّد. وهنالك آيات كثيرة في القرآن الكريم هي من مصاديق الجدال بالتي هي أحسن:
« وَ يَقَوْمِ مَا لِى‏أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَوةِ وَ تَدْعُونَنِى إِلَى النَّارِ » .۱
« وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى‏ هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ ».۲
« قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ ».۳

يخاطب اللَّه تعالى في هذه الآية المشركين ومنكري الوحي قائلاً: إنّ إنكاركم لا يقوم على البرهان، ولم تثبتوا أبداً عدم استناده إلى الوحي عن طريق التعقّل والتجربة. وحتّى إذا افترضنا أنّنا لم نقم دليلاً من التجربة والتعقّل لإثبات إلهية القرآن، ولكنّكم تذعنون على الأقلّ بوجود احتمال عقلائي، وهو أن يكون هذا الكلام من جانب اللَّه. وبهذا الاحتمال يضعف إنكار المخالفين: (إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال). يقول أبو الفتوح الرازي في ذيل هذه الآية:
«وهذا طريق من طرق الجدل، يسمّى بطريق الاحتياط».۴

و بعبارة اُخرى: القرآن يدعوكم إلى اللَّه، وهذه دعوة يُحتمل صدقُه، فيجب إجابتها لدفع الضرر المحتمل.۵

والهدف من الجدال بالتي هي أحسن: النفوذ في أفكار المخاطب وأعماق روحه؛ ولذلك يجب السعي في هذا الاُسلوب لأن يذعن لموضوع الحقّ باعتباره

1.غافر: ۴۱.

2.سبأ: ۲۴.

3.فصلت: ۵۲.

4.روض الجنان: ج ۱۷ ص ۹۰.

5.دانش‏نامه قرآن: ج ۱ ص ۸۳۷ - ۸۳۸.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
414

« وَ جَدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ».۱
« وَ لَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ».۲

ويستفاد من مجموع آيات القرآن الكريم أنّ الجدال بالتي هي أحسن: هو اُسلوب الأنبياء عليهم السلام في الدعوة إلى سبيل اللَّه. واستناداً إلى الآيتين ۳و۸ من سورة الحجّ، فإنّ الجدال الأحسن يجب أن يكون عن وعي؛ لأنّ الجدال على أساس العلم يؤدّي إلى الاعتقاد بالحقّ، والجدال بدون علم ينتهي إلى الاعتقاد بالباطل.۳

كما رغّبت روايات أهل البيت عليهم السلام بالجدال بالتي هي أحسن، فقد جاء في الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السلام :
مُروا الأحداث بالمراء والجدال.۴

وفي التفسير المنسوب إلي الإمام العسكري عليه السلام عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه ذُكر عنده الجدال في الدين، وأنّ رسول اللَّه والأئمّة عليهم السلام قد نَهَوا عنه، فقال عليه السلام :
لم ينهَ عنه مطلقاً، ولكنّه نهي عن الجدال بغير التي هي أحسن، أما تسمعون اللَّه عزوجل يقول: « وَ لَا تُجَدِلُواْ أَهْلَ الْكِتَبِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ »، وقوله تعالى: « ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ». فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه،۵ العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي أحسن محرّم حرّمه اللَّه تعالى على شيعتنا، وكيف يحرم اللَّه الجدال جملة وهو يقول: « وَ قَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى‏ »، وقال اللَّه تعالى: « تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ »۶؟ فجعل علم الصدوق والإيمان بالبرهان، وهل يؤتي بالبرهان إلّا في الجدال بالتي هي أحسن؟

1.النحل: ۱۲۵.

2.العنكبوت: ۴۶.

3.مجمع البيان ج ۷ ص ۱۳۰؛ تفسير الفخر الرازي: ج ۲۷ ص ۲۹.

4.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ۲۰ ص ۲۸۵.

5.التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : ص ۵۲۷ ح ۳۲۲؛ بحار الأنوار: ج ۲ ص ۱۲۵ ح‏۲.

6.البقرة: ۱۱۱.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 37391
صفحه از 618
پرینت  ارسال به