خلفية الجدل في الإسلام
تعدّ محاورات النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه و آله ومراسلاته هو وأتباعه مع المشركين واليهود والنصارى والملوك؛ لإقناعهم والدفاع عن المبادئ العقيدية للإسلام، من النماذج البارزة للمجادلة بالتي هي أحسن.
واشتدّت المجادلات والنزاعات السياسية والعقيدية بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله على إثر ظهور الفرق المذهبية والاختلاف بينها، فقد مارست مذاهب مختلفة مثل: الشيعة والخوارج والقدرية والمرجئة الكثير من الجدل؛ كي تثبت كلّ منها أحقّيتها والردّ على معتقدات معارضيها. وكان لكلّ من القدرية والمعتزلة من بين المذاهب الكلامية، مجادلات مع المعارضين، كلّ على أساس اُصوله وطريقته الكلامية، وانتشرت المجادلات العقائدية في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع، حيث التحق الأشاعرة والماتريدية بالفرق الكلامية اعتراضاً على المذهبين الكلاميين للمعتزلة والشيعة، ممّا أدّى إلى وضع قواعد لتنظيم الجدل.۱
وعلى حدّ قول ابن خلدون۲، فإنّ الجدل: هو معرفة آداب المناظرات التي تقام بين أتباع المذاهب وما إليها. وقد ظهر هذا الفنّ عندما انتشر النقاش والمناظرة في الردّ على المسائل أو قبولها، وكان الطرفان يتحدّثان عند النقاش والجدال بنحو غير ملتزم، ويخلطان بين الأدلّة الصحيحة والسقيمة.
وجدير بالذكر أنّ الاستدلال والمناظرة والمناقشة في الكلام، إن كان لإيضاح الحقّ وإرشاد الجاهل، فإنّه ممدوح، بل إنّه واجب في الكثير من المواضع، ولم يعارضه القرآن الكريم فحسب، بل أكّده في بعض الآيات (۲۹ مرّة في ستّ عشرة سورة). وكانت احتجاجات الأنبياء عليهم السلام على منكري الوحي والنبوّة باُسلوب الجدال الأحسن، هي نماذج بيّنة من المجادلة بالتي هي أحسن.