391
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

أمَّا المُبطِلونَ فَيَجعَلونَ ضَعفَ الضَّعيفِ مِنكُم إذا تَعاطى‏ مُجادَلَتَهُ ، وضَعفَ ما في يَدِهِ ، حُجَّةً لَهُ عَلى‏ باطِلِهِ .
وأمَّا الضُّعَفاءُ مِنكُم فَتُغَمُّ قُلوبُهُم لِما يَرَونَ مِن ضَعفِ المُحِقِّ في يَدِ المُبطِلِ .
وأمَّا الجِدالُ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ ، فَهُوَ ما أمَرَ اللَّهُ تَعالى‏ بِهِ نَبِيَّهُ أن يُجادِلَ بِهِ مَن جَحَدَ البَعثَ بَعدَ المَوتِ وإحياءَهُ لَهُ ، فَقالَ اللَّهُ تَعالى‏ حاكِياً عَنهُ : « وَ ضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَ نَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَمَ وَ هِىَ رَمِيمٌ »۱ فَقالَ اللَّهُ تَعالى‏ فِي الرَّدِّ عَلَيهِ : « قُلْ - يا مُحَمَّد - يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِ‏ّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ » إلى‏ آخِرِ السّورَةِ .
فَأَرادَ اللَّهُ مِن نَبِيِّهِ أن يُجادِلَ المُبطِلَ الَّذي قالَ : كَيفَ يَجوزُ أن يُبعَثَ هذِهِ العِظامُ وهِيَ رَميمٌ ؟ فَقالَ اللَّهُ تَعالى‏ : « قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ »۲ أفَيَعجُزُ مَنِ ابتَدَأَ بِهِ لا مِن شَي‏ءٍ أن يُعيدَهُ بَعدَ أن يَبلى‏ ؟ بَلِ ابتِداؤُهُ أصعَبُ عِندَكُم مِن إعادَتِهِ .
ثُمَّ قالَ : « الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا »۳ أي إذا أكمَنَ النّارَ الحارَّةَ فِي الشَّجَرِ الأَخضَرِ الرَّطبِ ، ثُمَّ يَستَخرِجُها فَعَرَّفَكُم أنَّهُ عَلى‏ إعادَةِ ما بَلِيَ أقدَرُ .
ثُمَّ قالَ : « أَوَ لَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَ تِ وَ الْأَرْضَ بِقَدِرٍ عَلَى‏ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى‏ وَ هُوَ الْخَلَّقُ الْعَلِيمُ »۴ أي : إذا كانَ خَلقُ السَّماواتِ وَالأَرضِ أعظَمَ وأبعَدَ في أوهامِكُم وقَدَرِكُم أَن تَقدِروا عَلَيهِ مِن إعادَةِ البالي، فَكَيفَ جَوَّزتُم مِنَ‏اللَّهِ خَلقَ هذَا الأَعجَبِ عِندَكُم، وَالأَصعَبِ لَدَيكُم، ولَم تُجَوِّزوا مِنهُ [ خَلقَ ] ما هُوَ أسهَلُ عِندَكُم مِن إعادَةِ البالي؟
فَقالَ الصّادِقُ عليه السلام : فَهذَا الجِدالُ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ ، لِأَنَّ فيها قَطعَ عُذرِ الكافِرينَ وإزالَةَ شُبَهِهِم .
وأمَّا الجِدالُ بِغَيرِ الَّتي هِيَ أحسَنُ ، فَأَن تَجحَدَ حَقّاً لايُمكِنُكَ أن تُفَرِّقَ بَينَهُ وبَينَ

1.يس : ۸۰ .

2.يس : ۸۱ .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
390

أهلَ المَدينَةِ فَإِنّي اُحِبُّ أن يُرى‏ في رِجالِ الشّيعَةِ مِثلُكُ .۱

۱۷۶۰. رجال الكشّي عن حمّاد : كانَ أبُو الحَسَنِ عليه السلام يَأمُرُ مُحَمَّدَ بنَ حَكيمٍ أن يُجالِسَ أهلَ المَدينَةِ في مَسجِدِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله ، وأن يُكَلِّمَهُم ويُخاصِمَهُم حَتّى‏ كَلَّمَهُم في صاحِبِ القَبرِ ، فَكانَ إذَا انصَرَفَ إلَيهِ قالَ لَهُ : ما قُلتَ لَهُم ؟ وما قالوا لَكَ ؟ ويَرضى‏ بِذلِكَ مِنهُ .۲

۱۷۶۱. الإمام العسكري عليه السلام : ذُكِرَ عِندَ الصّادِقِ عليه السلام الجِدالُ فِي الدّينِ ، وأنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله وَالأَئِمَّةَ عليهم السلام قَد نَهَوا عَنهُ . فَقالَ الصّادِقُ عليه السلام : لَم يُنهَ عَنهُ مُطلَقاً ، ولكِنَّهُ نُهِيَ عَنِ الجِدالِ بِغَيرِ الَّتي هِيَ أحسَنُ ، أما تَسمَعونَ اللَّهَ عَزَّوجَلَّ يَقولُ : « وَ لَا تُجَدِلُواْ أَهْلَ الْكِتَبِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ » وقَولَهُ : « ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ » .
فَالجِدالُ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ قَد قَرَنَهُ العُلَماءُ بِالدّينِ ، وَالجِدالُ بِغَيرِ الَّتي هِيَ أحسَنُ مُحَرَّمٌ ، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلى‏ شيعَتِنا ، وكَيفَ يُحَرِّمُ اللَّهُ الجِدالَ جُملَةً وهُوَ يَقولُ : « وَ قَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَرَى‏ » وقالَ اللَّهُ تَعالى‏ : « تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ »۳، فَجَعَلَ عِلمَ الصِّدقِ وَالإِيمانَ بِالبُرهانِ ، وهَل يُؤتى‏ بِبُرهانٍ إلّا فِي الجِدالِ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ ؟
فَقيلَ : يَابنَ رَسولِ اللَّهِ! فَمَا الجِدالُ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ ؟ وَالَّتي لَيسَت بِأَحسَنَ ؟
قالَ : أمَّا الجِدالُ بِغَيرِ الَّتي هِيَ أحسَنُ فَأَن تُجادِلَ [ بِهِ ] ، مُبطِلاً فَيورِدُ عَلَيكَ باطِلاً ، فَلا تَرُدُّهُ بِحُجَّةٍ قَد نَصَبَهَا اللَّهُ ، ولكِن تَجحَدُ قَولَهُ ، أو تَجحَدُ حَقّاً ، يُريدُ ذلِكَ المُبطِلُ أن يُعينَ بِهِ باطِلَهُ ، فَتَجحَدُ ذلِكَ الحَقَّ مَخافَةَ أن يَكونَ لَهُ عَلَيكَ فيهِ حُجَّةٌ ، لِأَنَّكَ لاتَدري كَيفَ المَخلَصُ مِنهُ ، فَذلِكَ حَرامٌ عَلى‏ شيعَتِنا أن يَصيروا فِتنَةً عَلى‏ ضُعَفاءِ إخوانِهِم وعَلَى المُبطِلينَ .

1.رجال الكشّي : ج ۲ ص ۷۴۱ ح ۸۳۰ ، بحار الأنوار : ج ۲ ص ۱۳۶ ح ۴۲ و ج ۷۳ ص ۴۰۵ .

2.رجال الكشّي : ج ۲ ص ۷۴۶ ح ۸۴۴ ، بحار الأنوار : ج ۲ ص ۱۳۷ ح ۴۴ .

3.البقرة : ۱۱۱ .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 34718
صفحه از 618
پرینت  ارسال به