351
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

فَقالَ : « لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى‏ نِعَاجِهِ » ولَم يَسأَلِ المُدَّعِي البَيِّنَةَ عَلى‏ ذلِكَ ، ولَم يُقبِل عَلَى المُدَّعى‏ عَلَيهِ فَيَقولَ لَهُ : ما تَقولُ؟ فَكانَ هذا خَطيئَةُ رَسمِ الحُكمِ لا ما ذَهَبتُم إلَيهِ ، ألا تَسمَعُ اللَّهَ عزّ و جلّ يَقولُ : « يَدَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ‏ّ وَ لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى‏ »۱إلى‏ آخِرِ الآيَةِ .
فَقالَ : يَا بنَ رَسولِ اللَّهِ فَما قِصَّتُهُ مَعَ اُورِيا؟
فَقالَ الرِّضا عليه السلام : إنَّ المَرأَةَ في أيّامِ داوودَ عليه السلام كانَت إذا ماتَ بَعلُها أو قُتِلَ لا تَتَزَوَّجُ بَعدَهُ أبَداً ، وأوَّلُ مَن أباحَ اللَّهُ لَهُ أن يَتَزَوَّجُ بِامرَأَةٍ قُتِلَ بَعلُها كانَ داوودَ عليه السلام ، فَتَزَوَّجَ بِامرَأَةِ اُوريا لَمّا قُتِلَ ، وَانقَضَت عِدَّتُها مِنهُ ، فَذلِكَ الَّذي شَقَّ عَلَى النّاسِ مِن قِبَلِ اُوريا .
وأمّا مُحَمَّدٌ صلى اللّه عليه و آله وقَولُ اللَّهِ عزّ و جلّ : « وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَل-هُ » فَإِنَّ اللَّهَ عزّ و جلّ عَرَّفَ نَبِيَّهُ صلى اللّه عليه و آله أسماءَ أزواجِهِ في دارِ الدُّنيا ، وأسماءَ أزواجِهِ في دارِ الآخِرَةِ ، وأنَّهُنَّ اُمَّهاتُ المُؤمِنينَ ، وأحَدُ۲ مَن سَمّى‏ لَهُ : زَينَب بِنت جَحشٍ ، وهِيَ يَومَئِذٍ تَحتَ زَيدِ بنِ حارِثَةَ ، فَأَخفَى اسمَها في نَفسِهِ ولَم يُبدِه ، لِكَيلا يَقولَ أحَدٌ مِنَ المُنافِقينَ : إنَّهُ قالَ فِي امرَأَةٍ في بَيتِ رَجُلٍ إنَّها إحدى‏ أزواجِهِ مِن اُمَّهاتِ المُؤمِنينَ ، وخَشِيَ قَولَ المُنافِقينَ ، فَقالَ اللَّهُ عزّ و جلّ : « وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَل-هُ » يَعني في نَفسِكَ ، وإنَّ اللَّهَ عزّ و جلّ ما تَوَلّى‏ تَزويجَ أحَدٍ مِن خَلقِهِ إلّا تَزويجَ حَوّا مِن آدَمَ عليه السلام ، وزَينَبَ مِن رَسولِ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله بقوله : « فَلَمَّا قَضَى‏ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَكَهَا »۳ الآية ، وفاطِمَةَ عليها السلام مِن عَلِيٍّ عليه السلام .
قالَ : فَبَكى‏ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الجَهمِ ، وقالَ : يَا بنَ رَسولِ اللَّهِ ، أنَا تائِبٌ إلَى اللَّهِ عزّ و جلّ مِن أن أنطِقَ في أنبِياءِ اللَّهِ عليهم السلام بَعدَ يَومي إلّا بِما ذَكَرتَهُ‏۴ .

1.الأحزاب : ۳۷ .

2.ص : ۲۶ .

3.في المصدر «إحداهُنّ» صَحَّحناه كما في سائر المصادر .

4.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ۱ ص ۱۹۲ ح ۱ ، الأمالي للصدوق : ص ۱۵۰ ح ۱۴۸ نحوه ، بحار الأنوار : ج ۱۱ ص ۷۲ ح ۱ .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
350

استَيقَنَ أنَّ اللَّهَ لَن يُضَيِّقُ عَلَيهِ رِزقَهُ ، ألا تَسمَعُ قَولَ اللَّهِ عزّ و جلّ : « وَ أَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلَل-هُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ »۱أي ضَيَّقَ عَلَيهِ رِزقَهُ ، ولَو ظَنَّ أنَّ اللَّهَ لا يَقدِرُ عَلَيهِ لَكانَ قَد كَفَرَ .
وأمّا قَولُهُ عزّ و جلّ في يوسُفَ : « وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا » فَإِنَّها هَمَّتِ بِالمَعصِيَةِ وهَمَّ يوسُفُ بِقَتلِها إن أجبَرَتهُ ؛ لِعِظَمِ ما تَداخَلَهُ ، فَصَرَفَ اللَّهُ عَنهُ قَتلَها ، وَالفاحِشَةُ ، وهُوَ قَولُهُ عزّ و جلّ : « كَذَ لِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشَآءَ »۲ يَعنِي القَتلَ وَالزِّنا .
وأمّا داوودُ عليه السلام فَما يَقولُ مَن قِبَلِكُم فيهِ؟ فَقالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الجَهمِ : يَقولونَ : إنَّ داوودَ عليه السلام كانَ في مِحرابِهِ يُصَلّي ، فَتَصَوَّرَ لَهُ إبليسُ عَلى‏ صورَةِ طَيرٍ أحسَنَ ما يَكونُ مِنَ الطُّيورِ ، فَقَطَعَ داوودُ صَلاتَهُ وقامَ لِيَأخُذَ الطَّيرَ ، فَخَرَجَ الطَّيرُ إلَى الدّارِ ، فَخَرَجَ الطَّيرُ إلَى السَّطحِ فَصَعِدَ في طَلَبِهِ ، فَسَقَطَ الطَّيرُ دارَ اُورِيَا بنَ حَنانٍ ، فَأَطلَعَ داوودُ في أثَرِ الطَّيرِ فَإِذا بِامرَأَةِ اُورِيا تَغتَسِلُ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيها هَواها ، وقَد أخرَجَ اُورِيا في بَعضِ غَزَواتِهِ ، فَكَتَبَ إلى‏ صاحبِهِ أن قَدِّم اُورِيا أمامَ التّابوتِ ، فَقَدَّمَ فَظَفِرَ اُورِيا بِالمُشرِكينَ ، فَصَعُبَ ذلِكَ عَلى‏ داوودَ فَكَتَبَ إلَيهِ ثانِيَةً ، أن قَدِّمهُ أمامَ التّابوتِ فَقَدَّمَ ، فَقُتِلَ اُورِيا ، فَتَزَوَّجَ داوودُ بِامرَأَتِهِ .
قالَ : فَضَرَبَ الرِّضا عليه السلام بِيَدِهِ عَلى‏ جَبهَتِهِ ، وقالَ : إنّا للَّهِ‏ِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ! لَقَد نَسَبتُم نَبِيّاً مِن أنبِياءِ اللَّهِ إلَى التَّهاوُنِ بِصَلاتِهِ ، حَتّى‏ خَرَجَ في أثَرِ الطَّيرِ ، ثُمَّ بِالفاحِشَةِ ، ثُمَّ بِالقَتلِ!
فَقالَ : يَا بنَ رَسولِ اللَّهِ ، فَما كانَ خَطيئَتُهُ؟
فَقالَ : وَيحَكَ! إنَّ داوودَ إنَّما ظَنَّ أن ما خَلَقَ اللَّهُ عزّ و جلّ خَلقاً هُوَ أعلَمُ مِنهُ ، فَبَعَثَ اللَّهُ عزّ و جلّ إلَيهِ المَلَكَينِ فَتَسَوَّرا المِحرابَ ، فَقالا : « خَصْمَانِ بَغَى‏ بَعْضُنَا عَلَى‏ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِ‏ّ وَلَا تُشْطِطْ وَ اهْدِنَآ إِلَى‏ سَوَآءِ الصِّرَ طِ * إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَ حِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَ عَزَّنِى فِى الْخِطَابِ »۳فَعَجَّلَ داوودُ عليه السلام عَلَى المُدَّعى‏ عَلَيهِ

1.يوسف : ۲۴ .

2.الفجر : ۱۶

3.ص : ۲۲ و ۲۳ .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 37302
صفحه از 618
پرینت  ارسال به