301
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

أرواحٍ : روحَ الإِيمانِ ، وروحَ القُوَّةِ ، وروحَ الشَّهوَةِ ، وروحَ البَدَنِ ، فَلا يَزالُ العَبدُ يَستَكمِلُ هذِهِ الأَرواحَ الأَربَعَةَ حَتّى‏ تَأتِيَ عَلَيهِ حالاتٌ .
فَقالَ الرَّجُلُ : يا أميرَالمُؤمِنينَ ، ما هذِهِ الحالاتُ؟
فقال : أمّا اُولاهُنَّ : فَهُوَ كَما قالَ اللَّهُ عزّ و جلّ : « وَ مِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَىْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيًْا »۱ ، فَهذا يَنتَقِصُ مِنهُ جَميعُ الأَرواحِ ، ولَيسَ بِالَّذي يَخرُجُ مِن دينِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ الفاعِلَ بِهِ رَدَّهُ إلى‏ أرذَلِ عُمُرِهِ ، فَهُوَ لا يَعرِفُ لِلصَّلاةِ وَقتاً ، ولا يَستَطيعُ التَّهَجُّدَ بِاللَّيلِ ولا بِالنَّهارِ ؛ ولا القِيامَ فِي الصَّفِّ مَعَ النّاسِ ، فَهذا نُقصانٌ مِن روحِ الإِيمانِ ولَيسَ يَضُرُّهُ شَيئاً .
ومِنهُم مَن يَنتَقِصُ مِنهُ روحُ القُوَّةِ؛ فَلا يَستَطيعُ جِهادَ عَدُوِّهِ، ولا يَستَطيعُ طَلَبَ المَعيشَةِ.
ومِنهُم مَن يَنتَقِصُ مِنهُ روحُ الشَّهوَةِ ؛ فَلَو مَرَّت بِهِ أصبَحُ بَناتِ آدَمَ لَم يَحنَّ إلَيها ولَم يَقُم.
وتَبقى‏ روحُ البَدَنِ فيهِ ، فَهُوَ يَدُبُّ ويدرجُ حَتّى‏ يَأتِيَهُ مَلَكُ المَوتِ . فَهذَا الحالُ خَيرٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عزّ و جلّ هُوَ الفاعِلُ بِهِ .
وقَد تَأتي عَلَيهِ حالاتٌ في قُوَّتِهِ وشِبابِهِ فَيَهُمُّ بِالخَطيئَةِ ، فَيُشَجِّعُهُ روحُ القُوَّةِ ، ويُزَيِّنُ لَهُ روحُ الشَّهوَةِ ، ويَقودُهُ روحُ البَدَنِ حَتّى‏ توقِعَهُ فِي الخَطيئَةِ ، فَإِذا لامَسَها نَقَصَ مِنَ الإِيمانِ وتَفَصّى‏۲ مِنهُ ، فَلَيسَ يَعودُ فيهِ حَتّى‏ يَتوبَ ، فَإِذا تابَ تابَ اللَّهُ عَلَيهِ ، وإن عادَ أدخَلَهُ اللَّهُ نارَ جَهَنَّمَ .
فَأَمّا أصحابُ المَشأَمَةِ : فَهُمُ اليَهودُ وَالنَّصارى‏ ، يَقولُ اللَّهُ عزّ و جلّ : « الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ » ، يَعرِفونَ مُحَمَّداً وَالوِلايَةَ فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ كَما يَعرِفونَ أبناءَهُم في مَنازِلِهِم « وَ إِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ » أنَّكَ الرَّسولُ إلَيهِم « فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ »۳ . فَلَمّا جَحَدوا ما عَرَفُوا

1.النحل : ۷۰ .

2.يقال : تَفَصَّيتُ من الأمر تَفَصّياً ؛ إذا خرجت منه (النهاية : ج ۳ ص ۴۵۲ «فصا») .

3.البقرة : ۱۴۶ و ۱۴۷ .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
300

وهُوَ بِكُلِّ شَي‏ءٍ مُحيطٌ۱ ، بِالإِشرافِ وَالإِحاطَةِ وَالقُدرَةِ ، « لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَوَ تِ وَ لَا فِى الْأَرْضِ وَ لَا أَصْغَرُ مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْبَرُ »۲بِالإِحاطَةِ وَالعِلمِ لا بِالذّاتِ ؛ لِأَنَّ الأَماكِنَ مَحدودَةٌ تَحويها حُدودٌ أربَعَةٌ ، فَإِذا كانَ بِالذّاتِ لَزِمَهَا الحَوايَةُ .۳

۱۵۵۰. الكافي عن الأصبغ به نُباتَه عن الإمام عليّ عليه السلام - حينَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَمّا قيلَ مِن أنَّ العَبدَ لايَأتي بِالمَعاصي وهُوَ مُؤمِنٌ - : سَمِعتُ رَسولَ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله يَقولُ، وَالدَّليلُ عَلَيهِ كِتابُ اللَّهِ:
خَلَقَ اللَّهُ عزّ و جلّ النّاسَ عَلى‏ ثَلاثِ طَبَقاتٍ ، وأنزَلَهُم ثَلاثَ مَنازِلَ ، وذلِكَ قَولُ اللَّهِ عزّ و جلّ فِي الكِتابِ : « أصحابُ المَيمَنَةِ » و « أصحابُ المَشأَمَةِ » وَ« السّابِقونَ » .۴
فَأَمّا ما ذَكَرَ مِن أمرِ السّابِقينَ فَإِنَّهُم أنبياءُ مُرسَلونَ وغَيرُ مُرسَلينَ ، جَعَلَ اللَّهُ فيهِم خَمسَةَ أرواحٍ : روحَ القُدُسِ ، وروحَ الإيمانِ ، وروحَ القُوَّةِ ، وروحَ الشَّهَوةِ ، وروحَ البَدَنِ ؛ فَبِروحِ القُدُس بُعِثوا أنبِياءَ مُرسَلينَ وغَيرَ مُرسَلينَ ، وبِها عُلِّمُوا الأَشياءَ ، وبِروحِ الإِيمانِ عَبَدُوا اللَّهَ ولَم يُشرِكوا بِهِ شَيئاً ، وبِروحِ القُوَّةِ جاهَدوا عَدُوَّهُم وعالَجوا مَعاشَهُم ، وبِروحِ الشَّهوَةِ أصابوا لَذيذَ الطَّعامِ ونَكَحُوا الحَلالَ مِن شَبابِ النِّساءِ ، وبِروحِ البَدَنِ دَبّوا ودَرَجوا . فَهؤُلاءِ مَغفورٌ لَهُم مَصفوحٌ عَن ذُنوبِهِم .
ثُمَّ قالَ : قالَ اللَّهُ عزّ و جلّ : « تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى‏ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَتٍ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَتِ وَأَيَّدْنَهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ »۵ ، ثُمَّ قالَ في جَماعَتِهِم : « وَ أَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ »۶يَقولُ : أكرَمَهُم بِها فَفَضَّلَهُم عَلى‏ مَن سِواهُم . فَهؤُلاءِ مَغفورٌ لَهُم ، مَصفوحٌ عَن ذُنوبِهِم .
ثُمَّ ذَكَرَ أصحابَ المَيمَنَةِ ، وهُمُ المُؤمِنونَ حَقّاً بِأَعيانِهِم ، جَعَلَ اللَّهُ فيهِم أربَعَةَ

1.قوله تعالى في الآية ۵۴ من سورة فصّلت : «أَلَا إِنَّهُ بِكُلِ‏ّ شَىْ‏ءٍ مُّحِيطُ » .

2.سبأ : ۳ .

3.الكافي: ج‏۱ ص‏۱۲۷ ح‏۵، التوحيد: ص‏۱۳۱ ح‏۱۳ كلاهما عن عمر بن اذينة، بحار الأنوار: ج‏۳ ص‏۳۲۲ ح‏۱۹.

4.وذلك في قوله تعالى : «فَأَصْحَبُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَبُ الْمَيْمَنَةِ * وَ أَصْحَبُ الْمَشَْمَةِ مَآ أَصْحَبُ الْمَشَْمَةِ * وَ السَّبِقُونَ السَّبِقُونَ»(الواقعة : ۸ - ۱۰) .

5.البقرة : ۲۵۳ .

6.المجادلة : ۲۲ .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 34680
صفحه از 618
پرینت  ارسال به