بِطَرفٍ مِنهُ فَتَكتَفي إن شاءَ اللَّهُ :
مِن ذلِكَ قَولُ إبراهيمَ عليه السلام : « إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ »۱ ، فَذَهابُهُ إلى رَبِّهِ تَوَجُّهُهُ إلَيهِ عِبادَةً وَاجتِهاداً وقُربَةً إلَى اللَّهِ جَلَّ وعَزَّ ، ألا تَرى أنَّ تَأويلَهُ غَيرُ تَنزيلِهِ؟! وقالَ: « وَ أَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ »۲ ، يَعنِي السِّلاحَ وغَيرَ ذلِكَ. وقَولُهُ: « هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَل-ِكَةُ » يُخبِرُ مُحَمَّداً صلى اللّه عليه و آله عَنِ المُشرِكينَ وَالمُنافِقينَ الَّذينَ لَم يَستَجيبوا للَّهِِ ولِلرَّسولِ ، فَقالَ: « هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَل-ِكَةُ » حَيثُ لَم يَستَجيبوا للَّهِِ ولِرَسولِهِ « أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ » يَعني بِذلِكَ العَذابَ يَأتيهِم في دارِ الدُّنيا كَما عَذَّبَ القُرونَ الاُولى ، فَهذا خَبَرٌ يُخبِرُ بِهِ النَّبِيَّ صلى اللّه عليه و آله عَنهُم. ثُمَّ قالَ: « يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَنِهَا خَيْرًا » يَعني مِن قَبلِ أن يَجيءَ هذِهَ الآيَةُ ، وهذِهِ الآيَةُ طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها ، وإنَّما يَكتَفي اُولُو الأَلبابِ وَالحِجى واُولُو النُّهى أن يَعلَموا أنَّهُ إذَا انكَشَفَ الغِطاءُ رَأَوا ما يوعَدونَ . وقالَ في آيَةٍ اُخرى: « فَأَتَل-هُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ »۳يَعني أرسَلَ عَلَيهِم عَذاباً ، وكَذلِكَ إتيانُهُ بُنيانَهُم ، قالَ اللَّهُ عزّ و جلّ : « فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَنَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ »۴ فَإِتيانُهُ بُنيانَهُم مِنَ القَواعِدِ إرسالُ العَذابِ عَلَيهِم . وكَذلِكَ ما وَصَفَ مِن أمرِ الآخِرَةِ تَبارَكَ اسمُهُ وتَعالى عُلُوّاً كَبيراً أنَّهُ يَجري اُمورُهُ في ذلِكَ اليَومِ الَّذي كانَ مِقدارُهُ خَمسينَ ألفَ سَنَةٍ كَما يَجري اُمورُهُ فِي الدُّنيا ، لا يَغيبُ ولا يَأفِلُ مَعَ الآفِلينَ . فَاكتَفِ بِما وَصَفتُ لَكَ مِن ذلِكَ مِمّا جالَ في صَدرِكَ مِمّا وَصَفَ اللَّهُ عزّ و جلّ في كِتابِهِ ، ولا تَجعَل كَلامَهُ كَكَلامِ البَشَرِ ، هُوَ أعظَمُ وأجَلُّ وأكرَمُ وأعَزُّ ، تَبارَكَ وتَعالى مِن أن يَصِفَهُ الواصِفونَ إلّا بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ في قَولِهِ عزّ و جلّ : « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » . ۵