293
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

بِطَرفٍ مِنهُ فَتَكتَفي إن شاءَ اللَّهُ :
مِن ذلِكَ قَولُ إبراهيمَ عليه السلام : « إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى‏ رَبِّى سَيَهْدِينِ »۱ ، فَذَهابُهُ إلى‏ رَبِّهِ تَوَجُّهُهُ إلَيهِ عِبادَةً وَاجتِهاداً وقُربَةً إلَى اللَّهِ جَلَّ وعَزَّ ، ألا تَرى‏ أنَّ تَأويلَهُ غَيرُ تَنزيلِهِ؟! وقالَ: « وَ أَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ »۲ ، يَعنِي السِّلاحَ وغَيرَ ذلِكَ. وقَولُهُ: « هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَل-ِكَةُ » يُخبِرُ مُحَمَّداً صلى اللّه عليه و آله عَنِ المُشرِكينَ وَالمُنافِقينَ الَّذينَ لَم يَستَجيبوا للَّهِ‏ِ ولِلرَّسولِ ، فَقالَ: « هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَل-ِكَةُ » حَيثُ لَم يَستَجيبوا للَّهِ‏ِ ولِرَسولِهِ « أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ » يَعني بِذلِكَ العَذابَ يَأتيهِم في دارِ الدُّنيا كَما عَذَّبَ القُرونَ الاُولى‏ ، فَهذا خَبَرٌ يُخبِرُ بِهِ النَّبِيَّ صلى اللّه عليه و آله عَنهُم. ثُمَّ قالَ: « يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَنِهَا خَيْرًا » يَعني مِن قَبلِ أن يَجي‏ءَ هذِهَ الآيَةُ ، وهذِهِ الآيَةُ طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها ، وإنَّما يَكتَفي اُولُو الأَلبابِ وَالحِجى‏ واُولُو النُّهى‏ أن يَعلَموا أنَّهُ إذَا انكَشَفَ الغِطاءُ رَأَوا ما يوعَدونَ . وقالَ في آيَةٍ اُخرى‏: « فَأَتَل-هُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ »۳يَعني أرسَلَ عَلَيهِم عَذاباً ، وكَذلِكَ إتيانُهُ بُنيانَهُم ، قالَ اللَّهُ عزّ و جلّ : « فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَنَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ »۴ فَإِتيانُهُ بُنيانَهُم مِنَ القَواعِدِ إرسالُ العَذابِ عَلَيهِم . وكَذلِكَ ما وَصَفَ مِن أمرِ الآخِرَةِ تَبارَكَ اسمُهُ وتَعالى‏ عُلُوّاً كَبيراً أنَّهُ يَجري اُمورُهُ في ذلِكَ اليَومِ الَّذي كانَ مِقدارُهُ خَمسينَ ألفَ سَنَةٍ كَما يَجري اُمورُهُ فِي الدُّنيا ، لا يَغيبُ ولا يَأفِلُ مَعَ الآفِلينَ . فَاكتَفِ بِما وَصَفتُ لَكَ مِن ذلِكَ مِمّا جالَ في صَدرِكَ مِمّا وَصَفَ اللَّهُ عزّ و جلّ في كِتابِهِ ، ولا تَجعَل كَلامَهُ كَكَلامِ البَشَرِ ، هُوَ أعظَمُ وأجَلُّ وأكرَمُ وأعَزُّ ، تَبارَكَ وتَعالى‏ مِن أن يَصِفَهُ الواصِفونَ إلّا بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ في قَولِهِ عزّ و جلّ : « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ‏ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » . ۵

1.الشورى : ۱۱ .

2.الصافّات : ۹۹ .

3.الحديد : ۲۵ .

4.الحشر : ۲ .

5.النحل : ۲۶.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
292

قالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ.
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ: « وَ مَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى السَّمَاءِ » كَذلِكَ رَبُّنا لا يَعزُبُ عَنهُ شَي‏ءٌ ، وكَيفَ يَكونُ مَن خَلَقَ الأَشياءَ لا يَعلَمُ ما خَلَقَ وهُوَ الخَلّاقُ العَليمُ!
وأمّا قَولُهُ: « لَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ » يُخبِرُ أنَّهُ لا يُصيبُهُم بِخَيرٍ ، وقَد تَقولُ العَرَبُ: وَاللَّهِ ما يَنظُرُ إلَينا فُلانٌ ، وإنَّما يَعنونَ بِذلِكَ أنَّهُ لا يُصيبُنا مِنهُ بِخَيرٍ ، فَذلِكَ النَّظَرُ ههُنا مِنَ اللَّهِ تَعالى‏ إلى‏ خَلقِهِ ، فَنَظَرُهُ إلَيهِم رَحمَةٌ مِنهُ لَهُم . وأمّا قَولُهُ : « كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَل-ِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ » فَإِنَّما يَعني بِذلِكَ يَومَ القِيامَةِ أنَّهُم عَن ثَوابِ رَبِّهِم مَحجوبونَ.
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ.
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ: « ءَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ » ، وقَولُهُ: « وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَوَ تِ وَفِى الْأَرْضِ » ، وقَولُهُ: « الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏ » ، وقَولُهُ: « وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ » ، وقَولُهُ: « وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » فَكَذلِكَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ سُبّوحاً قُدّوساً تَعالى‏ أن يَجرِيَ مِنهُ ما يَجري مِنَ المَخلوقينَ وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ ، وأجَلُّ وأكبَرُ أن يَنزِلَ بِهِ شَي‏ءٌ مِمّا يَنزِلُ بِخَلقِهِ وهُوَ عَلَى العَرشِ استَوى‏ عِلمُهُ ، شاهِدٌ لِكُلِّ نَجوى‏ ، وهُوَ الوَكيلُ عَلى‏ كُلِّ شَي‏ءٍ ، وَالمُيَسِّرُ لِكُلِّ شَي‏ءٍ ، وَالمُدَبِّرُ لِلأَشياءِ كُلِّها ، تَعالَى اللَّهُ عَن أن يَكونَ عَلى‏ عَرشِهِ عُلُوّاً كَبيراً.
فَقالَ عليه السلام :۱ وأمّا قَولُهُ: « وَ جَاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا » ، وقَولُهُ: « وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَ دَى‏ كَمَا خَلَقْنَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ » ، وقَولُهُ: « هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَل-ِكَةُ » ، وقَولُهُ : « هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَل-ِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ » فَإِنَّ ذلِكَ حَقٌّ كَما قالَ اللَّهُ عزّ و جلّ ، ولَيسَ لَهُ جيئَةٌ كَجيئَةِ الخَلقِ ، وقَد أعلَمتُكَ أنَّ رُبَّ شَي‏ءٍ مِن كِتابِ اللَّهِ تَأويلُهُ عَلى‏ غَيرِ تَنزيلِهِ ولا يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ ، وسَاُنَبِّئُكَ

1.الظاهر أنّه سقط هنا قول الرجل لأمير المؤمنين عليه السلام : «فرّجتَ عنّي يا أمير المؤمنين ... إلخ» كما يقتضيه السياق .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 34784
صفحه از 618
پرینت  ارسال به