وَحياً ، ولَيسَ بِكائِنٍ إلّا مِن وَراءِ حِجابٍ أو يُرسِلَ رَسولاً فَيوحِيَ بِإِذنِهِ ما يَشاءُ ، كَذلِكَ قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى عُلُوّاً كَبيراً ، قَد كانَ الرَّسولُ يوحى إلَيهِ مِن رُسُلِ السَّماءِ فَيُبَلِّغُ رُسُلُ السَّماءِ رُسُلَ الأَرضِ ، وقَد كانَ الكَلامُ بَينَ رُسُلِ أهلِ الأَرضِ وبَينَهُ مِن غَيرِ أن يُرسِلَ بِالكَلامِ مَعَ رُسُلِ أهلِ السَّماءِ .
وقَد قالَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله : يا جَبرَئيلُ هَل رَأَيتَ رَبَّكَ؟
فَقالَ جَبرَئيلُ : إنَّ رَبّي لا يُرى .
فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله : فَمِن أينَ تَأخُذُ الوَحيَ؟
فَقالَ : آخُذُهُ مِن إسرافيلَ .
فَقالَ : ومِن أينَ يَأخُذُهُ إسرافيلُ؟
قالَ : يَأخُذُهُ مِن مَلَكٍ فَوقَهُ مِنَ الرّوحانِيّينَ .
قالَ : فَمِن أينَ يَأخُذُهُ ذلِكَ المَلَكُ؟ قالَ: يُقذَفُ في قَلبِهِ قَذفاً.
فَهذا وَحيٌ ، وهُوَ كَلامُ اللَّهِ عزّ و جلّ ، وكَلامُ اللَّهِ لَيسَ بِنَحوٍ واحِدٍ ؛ مِنهُ ما كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ ، ومِنهُ ما قَذَفَهُ في قُلوبِهِم ، ومِنهُ رُؤيا يُريهَا الرُّسُلَ ، ومِنهُ وَحيٌ وتَنزيلٌ يُتلى ويُقرَأُ ، فَهُوَ كَلامُ اللَّهِ ، فَاكتَفِ بِما وَصَفتُ لَكَ مِن كَلامِ اللَّهِ ، فَإِنَّ مَعنى كَلامِ اللَّهِ لَيسَ بِنَحوٍ واحِدٍ ، فَإِنَّ مِنهُ ما يُبَلِّغُ بِهِ رُسُلُ السَّماءِ رُسُلَ الأَرضِ.
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ.
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ: « هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا » فَإِنَّ تَأويلَهُ : هَل تَعلَمُ أحَداً اسمُهُ اللَّهُ غَيرَ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى؟ فَإِيّاكَ أن تُفَسِّرَ القُرآنَ بِرَأيِكَ حَتّى تَفقَهَهُ عَنِ العُلَماءِ ، فَإِنَّهُ رُبَّ تَنزيلٍ يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ وهُوَ كَلامُ اللَّهِ ، وتَأويلُهُ لا يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ ، كَما لَيسَ شَيءٌ مِن خَلقِهِ يُشبِهُهُ ، كَذلِكَ لا يُشبِهُ فِعلُهُ تَبارَكَ وتَعالى شَيئاً مِن أفعالِ البَشَرِ ، ولا يُشبِهُ شَيءٌ مِن كَلامِهِ كَلامَ البَشَرِ ، فَكَلامُ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى صِفَتُهُ وكَلامُ البَشَرِ أفعالُهُم ، فَلا تُشَبِّه كَلامَ اللَّهِ بِكَلامِ البَشَرِ فَتَهلِكَ وتَضِلَّ .