291
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

وَحياً ، ولَيسَ بِكائِنٍ إلّا مِن وَراءِ حِجابٍ أو يُرسِلَ رَسولاً فَيوحِيَ بِإِذنِهِ ما يَشاءُ ، كَذلِكَ قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ عُلُوّاً كَبيراً ، قَد كانَ الرَّسولُ يوحى‏ إلَيهِ مِن رُسُلِ السَّماءِ فَيُبَلِّغُ رُسُلُ السَّماءِ رُسُلَ الأَرضِ ، وقَد كانَ الكَلامُ بَينَ رُسُلِ أهلِ الأَرضِ وبَينَهُ مِن غَيرِ أن يُرسِلَ بِالكَلامِ مَعَ رُسُلِ أهلِ السَّماءِ .
وقَد قالَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله : يا جَبرَئيلُ هَل رَأَيتَ رَبَّكَ؟
فَقالَ جَبرَئيلُ : إنَّ رَبّي لا يُرى‏ .
فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله : فَمِن أينَ تَأخُذُ الوَحيَ؟
فَقالَ : آخُذُهُ مِن إسرافيلَ .
فَقالَ : ومِن أينَ يَأخُذُهُ إسرافيلُ؟
قالَ : يَأخُذُهُ مِن مَلَكٍ فَوقَهُ مِنَ الرّوحانِيّينَ .
قالَ : فَمِن أينَ يَأخُذُهُ ذلِكَ المَلَكُ؟ قالَ: يُقذَفُ في قَلبِهِ قَذفاً.
فَهذا وَحيٌ ، وهُوَ كَلامُ اللَّهِ عزّ و جلّ ، وكَلامُ اللَّهِ لَيسَ بِنَحوٍ واحِدٍ ؛ مِنهُ ما كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ ، ومِنهُ ما قَذَفَهُ في قُلوبِهِم ، ومِنهُ رُؤيا يُريهَا الرُّسُلَ ، ومِنهُ وَحيٌ وتَنزيلٌ يُتلى‏ ويُقرَأُ ، فَهُوَ كَلامُ اللَّهِ ، فَاكتَفِ بِما وَصَفتُ لَكَ مِن كَلامِ اللَّهِ ، فَإِنَّ مَعنى‏ كَلامِ اللَّهِ لَيسَ بِنَحوٍ واحِدٍ ، فَإِنَّ مِنهُ ما يُبَلِّغُ بِهِ رُسُلُ السَّماءِ رُسُلَ الأَرضِ.
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ.
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ: « هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا » فَإِنَّ تَأويلَهُ : هَل تَعلَمُ أحَداً اسمُهُ اللَّهُ غَيرَ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى‏؟ فَإِيّاكَ أن تُفَسِّرَ القُرآنَ بِرَأيِكَ حَتّى‏ تَفقَهَهُ عَنِ العُلَماءِ ، فَإِنَّهُ رُبَّ تَنزيلٍ يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ وهُوَ كَلامُ اللَّهِ ، وتَأويلُهُ لا يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ ، كَما لَيسَ شَي‏ءٌ مِن خَلقِهِ يُشبِهُهُ ، كَذلِكَ لا يُشبِهُ فِعلُهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ شَيئاً مِن أفعالِ البَشَرِ ، ولا يُشبِهُ شَي‏ءٌ مِن كَلامِهِ كَلامَ البَشَرِ ، فَكَلامُ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى‏ صِفَتُهُ وكَلامُ البَشَرِ أفعالُهُم ، فَلا تُشَبِّه كَلامَ اللَّهِ بِكَلامِ البَشَرِ فَتَهلِكَ وتَضِلَّ .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
290

وتَجَلّى‏ رَبُّنا لِلجَبَلِ فَتَقَطَّعَ الجَبلُ فَصارَ رَميماً ، وخَرَّ موسى‏ صَعِقاً ؛ يَعني مَيِّتاً ، فَكانَ عُقوبَتُهُ المَوتَ ، ثُمَّ أحياهُ اللَّهُ وبَعَثَهُ وتابَ عَلَيهِ فَقالَ: « سُبْحَنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ » يَعني أوَّلَ مُؤمِنٍ آمَنَ بِكَ مِنهُم أنَّهُ لَن يَراكَ.
وأمّا قَولُهُ: « وَ لَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى‏ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى‏ » يَعني مُحَمَّداً صلى اللّه عليه و آله كانَ عِندَ سِدرَةِ المُنتَهى‏ حَيثُ لا يَتَجاوَزُها خَلقٌ مِن خَلقِ اللَّهِ ، وقَولُهُ في آخِرِ الآيَةِ : « مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَى‏ * لَقَدْ رَأَى‏ مِنْ ءَايَتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى‏ » رَأى جَبرَئيلَ عليه السلام في صورَتِهِ مَرَّتَينِ هذِهِ المَرَّةَ ومَرَّةً اُخرى‏ ، وذلِكَ أنَّ خَلقَ جَبرَئيلَ عَظيمٌ ؛ فَهُوَ مِنَ الرّوحانِيّينَ الَّذينَ لا يُدرِكُ خَلقَهُم وصِفَتَهُم إلَّا اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ.
وأمّا قَولُهُ: « يَوْمَل-ِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِىَ لَهُ قَوْلًا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا » لا يُحيطُ الخَلائِقُ بِاللَّهِ عزّ و جلّ عِلماً إذ هُوَ تَبارَكَ وتَعالى‏ جَعَلَ عَلى‏ أبصارِ القُلوبِ الغِطاءَ ، فَلا فَهمٌ يَنالُهُ بِالكَيفِ ولا قَلبٌ يُثبِتُهُ بِالحُدودِ ، فَلا يَصِفُهُ إلّا كَما وَصَفَ نَفسَهُ ، « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ‏ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ »۱ ، « هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْأَخِرُ وَ الظَّهِرُ وَ الْبَاطِنُ »۲ ، « الْخَلِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ »۳ ، خَلَقَ الأَشياءَ فَلَيسَ مِنَ الأَشياءِ شَي‏ءٌ مِثلَهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ .
فَقالَ : فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، و حَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَأَعظَمَ اللَّهُ أجرَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ : « وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ » ، وقَولُهُ: « وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى‏ تَكْلِيمًا » ، وقَولُهُ : « وَنَادَلهُمَا رَبُّهُمَا » ، وقَولُهُ: « يََادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ » ؛ فَأَمّا قَولُهُ: « مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىِ حِجَابٍ » فَإِنَّهُ ما يَنبَغي لِبَشَرٍ أن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلّا

1.الحديد : ۳ .

2.الشورى : ۱۱ .

3.الحشر : ۲۴ .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 37433
صفحه از 618
پرینت  ارسال به