173
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

الراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابهات أم لا؟ وكذلك بيان المحلّ الإعرابي ل«أرجُلَكم» في الآية « وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ » ،۱ فتعيين المعطوف عليه يتأثّر بالخلفية الفقهية للمفسّر، وهي: هل يجب مسح القدم في الوضوء أو غسلها؟ نعم، كان نوع الإعراب وبيان محلّ إعراب الكلمات مؤثّراً في مواضع أكثر في تفسير الآيات الكريمة في البعدين: المعارف الكلامية والفقهية، واستتبع استنباطات مختلفة. ويبدو أنّ قسماً من الاختلافات الكلامية والفقهية للمذاهب الإسلامية ناجم عن الاختلاف في إعراب الآيات.

أهمّية الإعراب في فهم القرآن‏

أكّد المفسّرون على ضرورة معرفة الإعراب والمباحث النحوية للقرآن‏۲ قبل المبادرة إلى تفسير الآيات‏۳. واعتبر الطبرسي إعراب القرآن أفضل علومه؛ لأنّ كلّ بيان عربي بحاجة إليه، هو في الحقيقة مفتاح معاني الألفاظ، ولا يمكن العلم بمراد اللَّه من دونه‏۴. كما يعتبر سمين الحلبي علم الإعراب أوّل علم بين العلوم الخمسة المؤثّرة في فهم القرآن.۵

ورغم تأكيد المفسّرين على دور الإعراب وتأثيره في فهم القرآن وتفسيره، فقد اعتبر ابن هشام في الباب الخامس من المغني - وعلى إثره الزركشي والسيوطي الإعراب فرعاً على فهم المعنى، وذلك من خلال ذكر العديد من الشواهد، ورأوا أنّ المعرِب يجب عليه أن يتوصّل إلى فهم صحيح للآيات أوّلاً، ثمّ يبيّن إعراب الآية حسب المعنى‏۶. وهذا الرأي يمكنه بنحو محدّد أن يبيّن طريق تأثير الروايات من

1.المائدة: ۶.

2.المحرّر الوجيز: ج ۱ ص ۱۴.

3.اُصول التفسير وقواعده: ص ۱۵۵ - ۱۵۹؛ قواعد التفسير: ج ۱ ص ۲۳۵ فما بعدها.

4.مجمع البيان: ج ۱ ص ۸۱ .

5.الدرّ المصون: ج ۱ ص ۴۵.

6.مغني اللبيب: ج‏۲ ص‏۶۸۴-۷۰۶؛ البرهان في علوم القرآن: ج‏۱ ص‏۴۱۰ الإتقان في علوم القرآن: ج‏۱ ص‏۳۸۲.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
172

بعضها على بعض إلّا في القليل النادر. ونحن نشهد هذا النهج في البيان لابن الأنباري (ت ۵۷۷ق)، التبيان لأبي البقاء (ت ۶۱۶ق)، وبنحو محدود أكثر في مشكل إعراب القرآن لمكّي بن أبي طالب.۱

ويبدو من دراسة المدراس والآراء النحوية للعلماء والمفسّرين السابقين، أنّ حجماً كبيراً من الاختلاف القائم في النحو وإعراب آيات القرآن، سببه اختلاف تحليل أصحاب الآراء، من غير أن يكون له تأثير كبير في تفسير الآية. والظاهر أنّ هؤلاء العلماء عملوا قبل كلّ شي‏ء على تقديم فهم صحيح لآيات القرآن، ينطبق على قواعد اللغة؛ ولذلك فقد عمد كلّ واحد منهم إلى التحليل النحوي للآية آخذاً بنظر الاعتبار الآراء والقواعد للمدارس النحوية.

ولم تكن هذه التحليلات تحدث تغييراً جدّياً في معنى الآية في مواضع كثيرة، إلّا أنّها أصبحت تدريجياً مصدراً لتنوّع قواعد النحو والإعراب. ومن نماذج ذلك: الاختلاف في جواز العطف على الضمير المجرور من دون إعادة الجارّ، وفي العطف على الضمير المرفوع من غير تأكيده بالضمير المنفصل، وفي بناء فعل الأمر، وعمل «إن» المخفّفة و في الرافع للمبتدأ والخبر۲، وفي معاني «أن» و «إذا»، وفي جواز دخولها على الجملة الاسمية، والاختلاف في عمل الحروف المشبّهة بالفعل و«ما» النافية بالنسبة إلى الخبر، وجواز وقوع الجملة فاعلاً، وعشرات المسائل الاُخرى.

ومع ذلك، فلا يمكننا أن ننكر أنّ قسماً مهمّاً من اختلافات المفسّرين في إعراب آيات القرآن، كان متأثّراً بالاعتقادات والخلفيات الكلامية والفقهية المسبقة لهم، وعلى سبيل المثال، فاعتبار الواو عاطفة أو مستأنفة في الآية « وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ »۳ يقوم على الرؤية الكلامية لبعض المفسّرين، وهي: هل

1.الإنصاف: ص ۴۴، ۴۶۳، ۴۷۴ و ۵۲۴.

2.الإنصاف: ص ۴۶۳ فما بعدها، ۴۷۴ فما بعدها، ۵۲۴ فما بعدها، ۱۹۵ فما بعدها، ۴۴ فما بعدها.

3.آل عمران: ۷.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 34597
صفحه از 618
پرینت  ارسال به