بعضها على بعض إلّا في القليل النادر. ونحن نشهد هذا النهج في البيان لابن الأنباري (ت ۵۷۷ق)، التبيان لأبي البقاء (ت ۶۱۶ق)، وبنحو محدود أكثر في مشكل إعراب القرآن لمكّي بن أبي طالب.۱
ويبدو من دراسة المدراس والآراء النحوية للعلماء والمفسّرين السابقين، أنّ حجماً كبيراً من الاختلاف القائم في النحو وإعراب آيات القرآن، سببه اختلاف تحليل أصحاب الآراء، من غير أن يكون له تأثير كبير في تفسير الآية. والظاهر أنّ هؤلاء العلماء عملوا قبل كلّ شيء على تقديم فهم صحيح لآيات القرآن، ينطبق على قواعد اللغة؛ ولذلك فقد عمد كلّ واحد منهم إلى التحليل النحوي للآية آخذاً بنظر الاعتبار الآراء والقواعد للمدارس النحوية.
ولم تكن هذه التحليلات تحدث تغييراً جدّياً في معنى الآية في مواضع كثيرة، إلّا أنّها أصبحت تدريجياً مصدراً لتنوّع قواعد النحو والإعراب. ومن نماذج ذلك: الاختلاف في جواز العطف على الضمير المجرور من دون إعادة الجارّ، وفي العطف على الضمير المرفوع من غير تأكيده بالضمير المنفصل، وفي بناء فعل الأمر، وعمل «إن» المخفّفة و في الرافع للمبتدأ والخبر۲، وفي معاني «أن» و «إذا»، وفي جواز دخولها على الجملة الاسمية، والاختلاف في عمل الحروف المشبّهة بالفعل و«ما» النافية بالنسبة إلى الخبر، وجواز وقوع الجملة فاعلاً، وعشرات المسائل الاُخرى.
ومع ذلك، فلا يمكننا أن ننكر أنّ قسماً مهمّاً من اختلافات المفسّرين في إعراب آيات القرآن، كان متأثّراً بالاعتقادات والخلفيات الكلامية والفقهية المسبقة لهم، وعلى سبيل المثال، فاعتبار الواو عاطفة أو مستأنفة في الآية « وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ »۳ يقوم على الرؤية الكلامية لبعض المفسّرين، وهي: هل