171
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

القرآن الكريم، بحيث وجّه العلماء والأساتذة النحو العربي باتّجاه تحليل وبيان مواقع الكلمات في جمل القرآن الكريم وآياته، وقد تجسّدت ذروته في كتب «معاني القرآن» ثمّ «إعراب القرآن»، وقام أبرز علماء هذا العصر - سيبويه (ت‏۱۸۰ق) في الكتاب الذي يعتبر أوّل كتاب وصلنا في النحو العربي - ببيان وتحليل دور الكلمات، وخاصّة محلّها من الإعراب في القرآن‏۱، وفضلاً عن تدوين قواعد النحو، ظهرت «مدرسة البصرة النحوية» التي امتيازت بالخصوصيّات الآتية: تقنين وضبط قواعد النحو، والاتّجاه إلى القياس فيه: ممّا أدّى إلى دخول مزيد من التأويل والاستدلال في التحليل النحوي للآيات، والحدّ من نطاق القواعد، ومن ثمّ توفير سهولة أكثر لتعلمها. وظهرت في مقابل هذه المدرسة «مدرسة الكوفة النحوية» بزعامة الكسائي (ت‏۱۸۹ق)، وامتازت بالتركيز أكثر على النقل و السماع والابتعاد عن القياس‏۲. وكان القرآن الكريم في هذا العصر محور مباحث النحو العربي، و اُلّفت كتب بالعنوانين: «معاني القرآن» و «إعراب القرآن» تستعرض آراء المفسّرين النحوية.

وفي منتصف القرن الثالث الهجري ظهرت المدرسة النحوية البغدادية، وسلكت الطريق الوسط والتوفيقي بين مدرستي البصرة والكوفة. ومال إلى هذه المدرسة علماء مثل: ابن خالويه (ت ۳۷۰ق)، ابن درستويه (ت‏۳۴۷ق)، أبي عليّ الفارسي (ت‏۳۷۷ق)، ابن جنّي (ت‏۳۹۲ق)، الزجّاج (ت ۳۶۳ق)، الزمخشري (ت ۵۳۸ق).۳

وعمد كلّ من علماء القرنين الثالث والرابع الهجريين - استناداً إلى مدرسته النحوية - إلى بيان إعراب الآيات وتحليلها. وأمّا في القرون اللاحقة فقد بادر النحويون في الغالب إلى جمع آراء المتقدّمين، ولم يتّجهوا إلى نقد الآراء وترجيح

1.القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية: ص ۸۸؛ تاريخ نحو: ص ۳۴ - ۵۱.

2.المصدر السابق: ص ۹۴، ۱۲۲، ۱۳۳ - ۱۳۶.

3.الإنصاف: ص ۴۶۳ فما بعدها، ۴۷۴، ۵۲۴، فما بعدها، ۴۴ فما بعدها.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
170

الأسود الدؤلي (ت ۶۹ق) باعتباره أوّل من وضع الإعراب والحركات للقرآن الكريم، بمساعدة يحيى بن يَعمر. وكان التحريك أوّل الأمر بسيطاً للغاية حيث استعملوا النقطة لإظهار الحركات بأنّ توضع نقطة على الحرف الأخير من الكلمة للنصب، ونقطة تحته للجرّ، ونقطة بعد ذلك الحرف نفسه للرفع‏۱، واستعملوا للتنوين نقطتين بالاُسلوب نفسه أيضاً، ولم تستعمل النقطة آنذاك للتمييز بين الحروف المتشابهة، كما كانت النقط الإعرابية تكتب بلون مختلف عن ألوان الحروف والكلمات‏۲. وجدير بالذكر أنّ هذا التحريك تمّ حسب الرأي المشهور والمقبول عند المسلمين.

وبعد ما يقرب من قرن حلّت الأشكال الخاصّة محلّ النقط الإعرابية، وذلك على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت‏۱۷۵ق)، حيث وضع مستطيلاً على الحرف للنصب، ومستطيلاً تحته للجرّ، وواواً صغيرة فوقه للضمّ، وأضاف الشكل المشابه للحركة الاُولى نفسها لكلّ تنوين. كما استعمل أسنان حرف السين للتشديد، ورأس حرف الصاد للسكون. ثمّ استعملت العلامات تدريجياً لإظهار حركة الحروف الاُخرى للكلمة، فضلاً عن إظهار الحركات في الحرف الأخير منها.۳

وكان الهدف من تحريك القرآن - حتّى النصف الثاني من القرن الثاني الهجري - القراءة الصحيحة له بنفس ما نقل عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، واستنباط المعاني الصحيحة من الآيات، ومنع الاجتهاد في القراءات. ومع هذا فإنّنا نلاحظ ظهور الاجتهاد والاختلاف في تحريك بعض كلمات القرآن، بنحو محدود بين القرّاء، ممّا أدّى إلى اختلافات في تفسير بعض الآيات.۴

وفي النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، طرأ تطوّر واضح في علم إعراب

1.كتاب المصاحف: ص ۱۶۲؛ المقنع: ص ۱۲۴ - ۱۲۶؛ رسم الخط مصحف: ص ۴۹۲.

2.الإتقان في علوم القرآن: ج ۲ ص ۳۷۸؛ القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية: ص ۲۶۶ - ۲۶۷.

3.القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية: ص ۸۸؛ تاريخ نحو: ص ۳۴ - ۵۱.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 37247
صفحه از 618
پرینت  ارسال به