111
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی

وعلى هذا الأساس، فإنّنا لا نعتبر المراد من الروايات الشديدة اللهجة هو النسيان المتداول والشائع، مثل: رواية الصدوق:
مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ مُتَعَمِّداً لَقَى اللَّهُ يَومَ القيامَةِ مَغلولاً ... .۱

أو الرواية النبوية:
مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ ، لَقيَ اللَّهُ سُبحانَهُ وَهو أجذم ، أو يُسَلِّطُ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - عَلَيهِ بِكُلِّ آيَةٍ مِنهُ نَسِيَها حَيِّةً تَكونُ قَرينَتَهُ إلى النّارِ، أو عَرَضَت عَلَىَّ ذُنوبُ أُمّتى فَلَم أَرِ ذَنباً أَعَظَمُ مِن سُورَةٍ ... أُوتيها رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَها .

فلو كان الأمر كذلك لكان من المناسب أن يقدّمها النبيّ صلى اللّه عليه و آله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام ويؤكّدوا عليها دوماً وفي كلّ موضع، وأن يحكم الفقهاء بمضمونها ويعتبروا نسيان القرآن حراماً، ويعمل بها جمهور المسلمين على مرّ التاريخ؛ ولذلك يمكن اعتبار المراد من هذه الطائفة من الروايات الترك العملي ونسيان تعاليم القرآن، وهو نوع من إهمال القرآن ونسيانه وهجره وتجاهله.

1.راجع: الأمالي للصدوق: ص ۵۱۳، ثواب الأعمال: ص ۲۸۲.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
110

وسنذكر فيما يلي إنموذجاً منها:
يُكرَهُ تَركُ القِراءَةِ حَتّى‏ يَبعثَ عَلَى النِّسيانِ ، وَفي الأَخبارِ أَنَّ المَنْسِيّ يَأتي بِصورةٍ حَسناءَ يَومَ القيامَةِ ثُمَّ يُخاطِبُ الناسِيَ ويَلومُهُ عَلى‏ نِسيانِهِ وَحِرمانهِ؛ يَنبَغي لِمَن حَفِظَ القُرآنَ أن يُداوِمَ تِلاوَتَهُ حَتّى‏ لا يَنساهُ كَي لا يَلحَقَهُ بِذلِكَ تَأَسُّفٌ وَتَحَسُّرٌ يَومَ القِيامَةِ .۱

۳. وقال بعض العلماء مثل آية اللَّه الشيخ جواد التبريزي بالاحتياط؛ نظراً إلى اختلاف الروايات. ولعلّ بإمكاننا أن نعتبر ما نسب إلى آية اللَّه الخوئي من هذا الباب‏۲، ويمكن إضافة بعض علماء أهل السنّة إليه أيضاً.۳

الرأي النهائي‏

نظراً إلى القوّة السندية والدلالية للروايات التي تعتبر نسيان القرآن مكروهاً، لا حراماً، وكذلك سيرة المسلمين وفتوى العديد من الفقهاء، من جهة، والضعف السندي والدلالي الموهم بالحرمة، من جهة اُخرى، فإنّ بالإمكان إثبات كراهة النسيان.

وجدير بالذكر أنّ فقهاء الشيعة المتقدّمين تحدّثوا عن حكم النسيان بنسبة أقل، مع أنّ بعضهم صرح بنفي الحرمة۴، ولعلّهم لم يروا حاجة لأن يذكروا في الكتب الفقهية مسألة غير فقهية ليس لها حكم اللزوم. ورغم أنّ لحرمة النسيان مؤيّدين بين أهل السنّة أيضاً، إلّا أنّ معظمهم طرحوا المسألة في مباحث شرح الحديث وآداب القرآن لا الفقه، ومن المحتمل جدّاً أن يكون بمعنى عدم إلزام حكم المسألة من وجهة نظرهم.۵

1.كشف الغطاء: ج ۲ ص ۳۰۰، عدّة الداعي: ص ۲۷۲.

2.صراط النجاة للميرزا جواد التبريزي: ج ۱ ص ۵۵۷ (سؤال ۱۵۵۱ و ۱۵۵۲).

3.راجع: تفسير ابن كثير: ج ۳ ص ۱۷۸، فتح الباري: ج ۹ ص ۷۰ و ۷۶.

4.روضة المتّقين: ج ۹ ص ۳۶۴؛ الآمالي للسيّد المرتضى: ج ۱ ص ۶؛ المجازات النبوية: ص ۲۴۶؛ استفتاءات السيّد السيستاني: ص ۱۳۸.

5.راجع : فتح الباري : ج ۹ ص ۷۰ ؛ المجموع لمحيي الدين النووي : ج ۲ ص ۱۶۹ .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 34769
صفحه از 618
پرینت  ارسال به