545
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

فَوَرَدوا عَلَى النَّجاشِيِّ ، وقَد كانوا حَمَلوا إلَيهِ هَدايا فَقَبِلَها مِنهُم ، فَقالَ عَمرُو بنُ العاصِ : أيُّهَا المَلِكُ ، إنَّ قَوماً مِنّا خالَفونا في دينِنا وسَبّوا آلِهَتَنا وصاروا إلَيكَ ، فَرُدَّهُم إلَينا .
فَبَعَثَ النَّجاشِيُّ إلى‏ جَعفَرٍ ، فَجاؤوا بِهِ ، فَقالَ : يا جَعفَرُ ، ما يَقولُ هؤُلاءِ؟ فَقالَ جَعفَرٌ: أيُّهَا المَلِكُ ، وما يَقولونَ؟ قالَ: يَسأَلونَ أن أرُدَّكُم إلَيهِم ، قالَ: أيُّهَا المَلِكُ ، سَلهُم أعَبيدٌ نَحنُ لَهُم؟ فَقالَ عَمرٌو: لا ، بَل أحرارٌ كِرامٌ ، قالَ: فَسَلهُم ألَهُم عَلَينا دُيونٌ يُطالِبونَنا بِها؟ قالَ: لا ، ما لَنا عَلَيكُم دُيونٌ ، قالَ : فَلَكُم في أعناقِنا دِماءٌ تُطالِبونَنا بِها؟ قالَ عَمرٌو: لا ، قالَ: فَما تُريدونَ مِنّا ؟! آذَيتُمونا فَخَرَجنا مِن بِلادِكُم .
فَقالَ عَمرُو بنُ العاصِ: أيُّهَا المَلِكُ ، خالَفونا في دينِنا ، وسَبّوا آلِهَتَنا ، وأفسَدوا شَبابَنا ، وفَرَّقوا جَماعَتَنا ، فَرُدَّهُم إلَينا لِنَجمَعَ أمرَنا .
فَقالَ جَعفَرٌ : نَعَم أيُّهَا المَلِكُ ، خالَفناهُم بِأَنَّهُ بَعَثَ اللَّهُ فينا نَبِيّاً أمَرَ بِخَلعِ الأَندادِ ، وتَركِ الاِستِقسامِ بِالأَزلامِ ، وأمَرَنا بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ، وحَرَّمَ الظُّلمَ وَالجَورَ ، وسَفكَ الدِّماءِ بِغَيرِ حَقِّها ، وَالزِّناءَ وَالرِّبا وَالمَيتَةَ وَالدَّمَ ، وأمَرَنا بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وإيتاءِ ذِي القُربى‏ ، ويَنهى‏ عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ .
فَقالَ النَّجاشِيُّ : بِهذا بَعَثَ اللَّهُ عيسَى بنَ مَريَمَ عليه السلام ، ثُمَّ قالَ النَّجاشِيُّ: يا جَعفَرُ ، هَل تَحفَظُ مِمّا أنزَلَ اللَّهُ عَلى‏ نَبِيِّكَ شَيئاً؟
قالَ: نَعَم ، فَقَرَأَ عَلَيهِ سورَةَ مَريَمَ ، فَلَمّا بَلَغَ إلى‏ قَولِهِ: « وَ هُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِى وَ اشْرَبِى وَ قَرِّى عَيْنًا »۱، فَلَمّا سَمِعَ النَّجاشِيُّ بِهذا بَكى‏ بُكاءاً شَديداً ، وقالَ : هذا وَاللَّهِ هُوَ الحَقُّ .
فَقالَ عَمرُو بنُ العاصِ: أيُّهَا المَلِكُ ، إنَّ هذا مُخالِفُنا فَرُدَّهُ إلَينا ، فَرَفَعَ النَّجاشِيُّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِها وَجهَ عَمرٍو ، ثُمَّ قالَ : اُسكُت ، وَاللَّهِ يا هذا لَئِن ذَكَرتَهُ بِسوءٍ

1.مريم: ۲۵ و ۲۶ .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
544

في عيسى‏؟
قالوا: نَشهَدُ أنَّهُ عَبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ ، وكَلِمَتُهُ وروحُهُ ، وَلَدَتهُ عَذراءُ بَتولٌ .
قالَ : ما أخطَأتُم ، ثُمَّ قالَ لِعَمرٍو وصاحِبِهِ : لَولا أنَّكُما أقبَلتُما في جِواري لَفَعَلتُ بِكُما .
وذُكِرَ لَنا أنَّ جَعفَراً وأصحابَهُ إذ أقبَلوا جاءَ اُولئِكَ مَعَهُم فَآمَنوا بِمُحَمَّدٍ صلى اللّه عليه و آله ، قالَ قائِلٌ: لَو قَد رَجَعوا إلى‏ أرضِهِم لَحِقوا بِدينِهِم ، فَحُدِّثنا أنَّهُ قَدِمَ مَعَ جَعفَرٍ سَبعونَ مِنهُم ، فَلَمّا قَرَأَ عَلَيهِم نَبِيُّ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله فاضَت أعيُنُهُم.۱

۵۹۹. تفسير القمّي : قَولُهُ : « لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَ وَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَرَى‏ » ، فَإِنَّهُ كانَ سَبَبُ نُزولِها أنَّهُ لَمَّا اشتَدَّت قُرَيشٌ في أذى‏ رَسولِ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله وأصحابِهِ الَّذينَ آمَنوا بِهِ بِمَكَّةَ قَبلَ الهِجرَةِ ، أمَرَهُم رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله أن يَخرُجوا إلَى الحَبَشَةِ ، وأمَرَ جَعفَرَ بنَ أبي طالِبٍ أن يَخرُجَ مَعَهُم ، فَخَرَجَ جَعفَرٌ ومَعَهُ سَبعونَ رَجُلاً مِنَ المُسلِمينَ حَتّى‏ رَكِبُوا البَحرَ ، فَلَمّا بَلَغَ قُرَيشاً خُروجُهُم بَعَثوا عَمرَو بنَ العاصِ وعُمارَةَ بنَ الوَليدِ إلَى النَّجاشِيِّ لِيَرُدّوهُم إلَيهِم ، وكانَ عَمرٌو وعُمارَةُ مُتَعادِيَينِ ، فَقالَت قُرَيشٌ : كَيفَ نَبعَثُ رَجُلَينِ مُتَعادِيَينِ؟! فَبَرِئَت بَنو مَخزومٍ مِن جِنايَةِ عُمارَةَ ، وبَرِئَت بَنو سَهمٍ مِن جِنايَةِ عِمرِو بنِ العاصِ .
فَخَرَجَ عُمارَةُ وكانَ حَسَنَ الوَجهِ شابّاً مُترَفاً ، فَأَخرَجَ عَمرُو بنُ العاصِ أهلَهُ مَعَهُ ، فَلَمّا رَكِبُوا السَّفينَةَ شَرِبُوا الخَمَر ، فَقالَ عُمارَةُ لِعَمرِو بنِ العاصِ : قُل لِأَهلِكَ تُقَبِّلني ، فَقالَ عَمرٌو: أيَجوزُ هذا؟ سُبحانَ اللَّهِ! فَسَكَتَ عُمارَةُ . فَلَمَّا انتَشى‏۲ عَمرٌو وكانَ عَلى‏ صَدرِ السَّفينَةِ ، دَفَعَهُ عُمارَةُ وألقاهُ فِي البَحرِ ، فَتَشَبَّثَ عَمرٌو بِصَدرِ السَّفينَةِ وأدرَكوهُ فَأَخرَجوهُ.

1.الدرّ المنثور : ج ۳ ص ۱۳۰ نقلاً عن أبي الشيخ .

2.الانتشاء : أوّل السُّكرِ ومقدّماته ، وقيل : هو السُّكر نفسه (النهاية : ج ۵ ص ۶۰ «نشا» ) .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27667
صفحه از 616
پرینت  ارسال به