507
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

وسيناء لا يمكن أن يكونا في مكان واحد من وجهة نظر التوراة نفسها، فإنّ ذلك يخالف النصوص الأصلية العبرية واليونانية، وكلّ الترجمات المعتبرة للكتاب المقدّس.۱

الوعد بظهور نبيّ من ذرّية إسماعيل عليه السلام

يقول موسى عليه السلام طبقاً لما ورد في التوراة:
سوف يبعث اللَّه من بينكم، من بين إخوتكم، نبيّاً مثلي.۲

ثمّ يمضي إلى تكرار كلام اللَّه بحذافيره حيث يقول:
سوف يبعث اللَّه في المستقبل نبيّاً مثلك، من بين إخوتهم وسأضع كلامي في فمه.۳

ويشار في هذه الفقرات من خلال التعبير ب«إخوة بني إسرائيل» إلى أنّ النبيّ سيظهر من ذرّية إسماعيل. وأمّا القبائل التي كانت من ذرّية إسماعيل أو عيسو۴، الذين يعدّون في الحقيقة أبناء عمومة بني إسرائيل، فقد عدّتهم التوراة إخوة بني إسرائيل‏۵. والنبيّ الوحيد الذي نعلم مجيئه من ذرّية إسماعيل هو النبيّ محمّد صلى اللّه عليه و آله .

وفضلاً عن ذلك فالنصوص الدينية تفيد بأنّه سيأتي بشريعة كموسى عليه السلام ، ولم يدّع أيّ من أنبياء بني إسرائيل أنّه مثل موسى عليه السلام ، كما أنّ التوراة تصرّح بأنّه سوف لا يأتي نبي كموسى بين بني إسرائيل‏۶، في حين أنّ الإشارة وردت بنحو تلويحي في

1.كلّ الترجمات المعتبرة للعهد القديم - علي حدّ علي - سواء تلك التي ترجمت على أساس النصّ الأصلي العبري أو التي ترجمت من النصّ اليوناني، استخدمت في هذا النصّ جبل فاران (Mount Paran) على سبيل المثال راجع:

2.التثنية، الإصحاح ۱۸ الفقرة ۱۵.

3.التثنية، الإصحاح ۱۸ الفقرة ۱۸.

4.عيسو الأخ التوأم يعقوب عليه السلام .

5.على سبيل المثال. راجع: التثنية: الإصحاح ۲: الفقرة ۴و الإصحاح ۲۳: الفقرة ۷.

6.التثنية: الإصحاح ۳۴، الفقرة ۱۰.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
506

لقد جاء اللَّه من جبل سيناء، وطلع من جبل سعير، وسطع من جبل فاران، وجاء مع عشرة آلاف من القديسين والمؤمنين.۱

يتحدّث هذا النصّ على سبيل الكناية عن ظهور ثلاثة من كبار أنبياء اللَّه، أي موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام ومحمّد صلى اللّه عليه و آله ، فقد تجلّى اللَّه لموسى عليه السلام في سيناء، وظهر لعيسى عليه السلام في «ساعير» التي هي فلسطين، وتجلّى لنبيّ الإسلام صلى اللّه عليه و آله في جبل «فاران»۲بمكّة.

ولم يكن لأيّ نبيّ من أنبياء بني إسرئيل أقلّ علاقة بجبل فاران. نعم، الحدث الوحيد هو أنّ هاجر تاهت مع ولدها إسماعيل في صحراء «بئر شبع» ثمّ سكنت في حوالي فاران، وعندها بشّرها اللَّه قائلاً: سوف أخلق منه اُمّة كبيرة۳. وتصرّح التوراة بأنّ اللَّه كان مع إسماعيل، وأنّه نشأ في صحراء فاران‏۴، وأسّس الذرّية العربية التي ظهر منها نبيّ الإسلام. كما جاءت هذه البشارة في كتاب النبيّ حَبَقوق، فهو يقول:
تجلّى اللَّه من تيمان، وذلك القدّيس من فاران، وعمّ جلاله السماوات، وامتلأت الأرض كلّها بحمده.۵

وقد ذكر تيمان وتيما في التوراة كثيراً۶، ويعنيان الصحراء الجنوبية، وكانت تطلق على الجزيرة العربية الواقعة في جنوب فلسطين‏۷. ومن العجيب أنّ جبل سيناء ذكر بدلاً من فاران في بعض التراجم الفارسية لكتاب حبقوق‏۸ ! وفضلاً عن أنّ فاران

1.التثنية، الإصحاح ۱ الفقرة ۳.

2.فاران: اسم أطلق في الكتب المقدّسة على سلسلة جبال، أو منطقة جبلية في جنوب أرض كنعان، وعلى ساحل البحر الأحمر، وهي نفس الأرض التي أسكن فيها إبراهيم هاجر وإسماعيل بأمر اللَّه تعالى. (قاموس الكتاب المقدّس، بطرس عبدالملك: ص ۶۶۷ و ۹۹۳).

3.التكوين: الإصحاح ۲۱؛ الفقرة ۱۸.

4.التكوين: الإصحاح ۲۱؛ الفقرة ۲۱.

5.حبقوق: الإصحاح ۳؛ الفقرة ۳.

6.راجع: التكوين: الإصحاح ۲۵: الفقرة ۱۵؛ أيوب: الإصحاح ۶، الفقرة ۱۹؛ إرميا: الإصحاح ۴۹، الفقرة ۷.

7.راه سعادت: ص ۲۳۵.

8.راجع: كتاب مقدس، ترجمة تفسيري: ص ۸۶۹.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27469
صفحه از 616
پرینت  ارسال به