503
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

نبيّ الإسلام صلى اللّه عليه و آله مجموعة باسم الكتاب المقدّس، وكانت تشتمل على التوراة والمكتوبات الاُخرى التي سمّاها المسيحيون فيما بعد ب «العهد القديم»۱، وأضافوا إليها أيضاً مجموعة اُخرى من المكتوبات الخاصة بهم باسم «العهد الجديد»۲، حيث اشتملت على الأناجيل وغيرها.

ومن المحتمل قويّاً أنّ القرآن الكريم أطلق في بعض الآيات اسم التوراة والإنجيل على مجموعة العهدين المتداولين بين اليهود والمسيحيين في عهد النزول.

وهنالك أيضاً شواهد على صحّة هذا الاحتمال، منها: أنّ القرآن يعتبر في مواضع كثيرة اليهود والمسيحيين «أهل الكتاب»؛ لأنّهم يطلقون كلمة «الكتاب» على مجموعة مكتوباتهم المقدّسة؛ وبناء على ذلك، فعندما ذكر القرآن كتاب اليهود باسم التوراة، وكتاب المسيحيين باسم «الإنجيل». فإنّه قصد مجموعة الكتب الخاصة بكلّ

1.يشتمل العهد القديم على ثلاثة أقسام رئيسة، يسمى القسم الأوّل منها بالتوراة، ويضمّ بدوره خمسة أسفار بأسماء: التكوين، الخروج، اللاويين الاعداد، والتثنية. ويعتبره اليهود نفس الكتاب الذي اُوكل إلى موسى عليه السلام . والقسم الثاني هو «بنوئيم» بمعنى (الأنبياء) والمراد منه الوحي الذي أنزله اللَّه على أنبياء بني إسرائيل بعد موسى وقبل عيسى عليه السلام . ومن هذا القبيل كتب مثل: كتاب يوشع بن نون، التواريخ، الملوك، صاموئيل، وأشعيا. ويشتمل «بنوئيم» على ۲۱ كتاباً. ويسمّى القسم الثالث «كتوبيم» بمعنى المكتوبات. والمراد منها مكتوبات أنبياء بني إسرائيل التي تضمّ رسالاتهم، وقوم بني إسرائيبل في مخاطبة اللَّه، ومن هذا النوع كتب مثل: المزامير، الجامعة، الأمثال، نشيد الأنشاد. ويشتمل «كتوبيم» على ۱۳ كتاباً. وقد أخذ المسيحيون البروتستانت بهذه الكتب بعينها في عهدهم القديم. وأورد الكاثوليك في عهدهم القديم بعض الكتب الأخرى من كتب الأنبياء قبل عيسى عليه السلام التي كان اليهود يرونها غير معتبرة.

2.يشتمل العهد الجديد على ۲۷ كتاباً اختيرت في أواخر القرن الثاني الميلادي من بين المكتوبات المسيحية بواسطة آباء الكنيسة. وتضمّ هذه المكتوبات أربعة أنواع، الأوّل: الأناجيل التي تحوي حياة عيسى عليه السلام وبعضاً من أفعاله وأقواله. وهذه الأناجيل هي: متى، مرقس، لوقا، يوحنّا. ويشتمل القسم الثاني على أعمال الرسل، ولم يضمّ سوى كتاب لوقا. ويسمّى القسم الثالث برسائل الرسل، ويشمل (۲۱) رسالة لرسل عيسى عليه السلام بلّغوها إلى المسيحيين في عصرهم، ومعظم هذه المكتوبات تتعلّق ببوليس الرسول الذي آمن بعيسى بعد عروجه إلى السماء. والقسم الرابع هو قسم المكاشفات، واشتمل على كتاب واحد باسم مكاشفات يوحنّا، وبإسلوب ادبي رمزي.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
502

التوراة والإنجيل شمل الصحيح وغير الصحيح.

وبعبارة اُخرى: إنّ القرآن يقصد أحياناً من التوراة والإنجيل نفس الشي‏ء الذي نزل باعتباره الوحي والشريعة الإلهية على موسى وعيسى عليهما السلام والذي صدّقه القرآن نفسه أيضاً، وقصد أحياناً الكتب التي كانت عند اليهود والمسيحيين في عهد نزول القرآن، وكانوا يعرفونها باسم التوراة والإنجيل، وعلى سبيل المثال؛ فعندما يصف القرآن الكريم عيسى عليه السلام « وَءَاتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ »۱ فإنّه قصد الإنجيل الحقيقي، في حين أنّ اللَّه عندما يدعو المسيحيين لأن يحكموا وفق أحكام الإنجيل‏۲، أو يدعو أهل الكتاب لإقامة التوراة والإنجيل، فإنّه قصد بذلك الكتب التي كانت تحت تصرّف اليهود والمسيحيين، والتي كانوا يسمّونها التوراة والإنجيل.۳

وبناء على ذلك، فعندما تحدّث القرآن في الآية (۸۱) من سورة آل عمران « مَكْتُوبًا عِندَهُمْ » عن وجود البشارة في التوراة والإنجيل، فإنّه أراد التوراة والإنجيل اللذين كانا عند اليهود والمسيحيين في عهد نزول القرآن، ومن المؤكّد أنّ ما كان يعرف آنذاك باعتباره التوراة والإنجيل، ليسا بالحقيقيين؛ بل هما مجموعة المكتوبات التي كانت تسمّى التوراة والإنجيل، والتي كان قد دوّنها أشخاص آخرون غير موسى وعيسى عليه السلام .۴

وبناء على ذلك، فإنّ المراد من التوراة والإنجيل في الآية موضوع البحث، وهي الكتب اليهودية والمسيحية التي كانت تعرف عندهم باعتبارها التوراة والإنجيل، إلّا أنّ السؤال المطروح هو: ما هي تلك الكتب؟ لقد كان لليهود منذ قرون قبل ظهور

1.المائدة: ۴۶.

2.المائدة: ۴۷.

3.المائدة: ۶۶ و ۶۸.

4.أثبت سبينوزا الذي كان هو نفسه يهودياً - استناداً إلى الشواهد والقرائن في التوراة الحالية نفسها - أنّ التوراة كتبت بعد مئات السنين من وفاة موسى عليه السلام . راجع: "المصنّف الحقيقي للأسفار الخمسة" لباروخ سبينوزا - و راجع ايضاً: ۱۲۰.-

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27672
صفحه از 616
پرینت  ارسال به