453
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

الذات، ولا تكتمل الذات من دونها؛ ولذلك فقد اعتبر اللَّه في الآيات الآتية هذا النوع من صفاته وأفعاله زمانياً:
« وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى‏ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِ‏ّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِى ».۱

وقال أيضاً:
« وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيًْا ».۲

و :
« فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ».۳

وبناء على ذلك فإنّ كلام اللَّه يعتبر من الأفعال الزمانية، كصفاته الفعلية الاُخرى، ولا يصحّ إطلاق القدم عليها.۴

ويعتبر العلّامة الطباطبائي - في تعريف آخر للكلام وسعياً منه لتعميم نطاقه - أنّ الكلام قابلاً للإطلاق على كلّ معلول بالنسبة إلى علّته، ومن ثمّ فإنّ الكلام - حسب هذا التعريف - أمر حقيقي لا اعتباري، وكلّ صفة ذاتية لكلّ شي‏ء هي من هذا المنظار كلامه؛ لأنّها تكشف عن مكنون ذاته وتميط اللثام عنها، وهو نفس المعنى الذي أراده الفلاسفة من الصفة الذاتية.۵

ويتّضح من خلال هذه الإيضاحات أنّ كلمة «الكلام» لها إطلاقان: لفظي وفعلي، وتشير إلى فعلين إلهيين، والجامع بينهما أنّ هذه الأفعال تصدر من منبع الجمال الإلهي وتُظهر الكمال الإلهي.

ويرى العلّامة الطباطبائي - في خلال الاستنتاج من مجموع المواضيع السابقة -

1.مريم: ۲۴۳.

2.مريم : ۹ .

3.البقرة: ۲۴۳.

4.راجع: الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۴ ص ۲۴۷ - ۲۵۰.

5.راجع: الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۴ ص ۲۴۸ - ۲۴۹.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
452

تعالى لا معنى له بالمعنى الذي يتصوّره الإنسان، وأنّه مجرّد صوت يخرج من الحنجرة، وأنّه منزّه عن أن يحتاج إلى أن يجهّز نفسه بالتجهيزات الجسمية، كما أنّ القرآن اعتبره عديم الشبه بأيّ موجود آخر « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ‏ءٌ »۱. وعلى هذا فإنّ الكلام بما هو كلام أمر وضعي وتعاقدي واعتباري، ولا حقيقة له سوى في ظرف الاعتبار، وما يحدث في الخارج هو عبارة عن أصوات مختلفة جعلت كل منها بوصفها علامة لشي‏ء ما، في ظرف الاعتبار والتعاقد، وأهل كلّ لغة ينتقلون من ذلك‏الصوت إلى معنى من المعاني على أساس التعاقد الذي كان بينهم من قبل.۲

ومع هذا، فقد اُطلقت صفة التكلّم في القرآن على اللَّه:
« وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىِ حِجَابٍ » .۳

وبناء على ذلك، فالجمع بين الموضوعين السابقين هو أنّ التكلّم بخصوص اللَّه منزّه عن الحدود الاعتبارية المعهودة بين البشر، أي إنّ أثر الكلام الذي هو تفهيم المقاصد إلى المخاطب موجود في الكلام الإلهي، ولكن لا عن طريق الفم والحنجرة.۴

ويتطرّق العلّامة - في معرض بيانه للكلام الإلهي - إلى كون هذا الفعل الإلهي زمانياً مثل أفعال اللَّه الاُخرى: كلام اللَّه تعالى هو فعل من أفعاله، مثل: الإحياء الإماتة، الرزق، الهداية، التوبة، والعناوين الاُخرى، ومن ثمّ فإنّ صفات «المتكلّم»، و«المحيي»، و«المميت»، و «الرازق»، و«الهادي»، و«التوّاب» وغير ذلك هي صفات فعل اللَّه، فبعد أنّ خلق اللَّه موجوداً سامعاً وتكلّم معه يطلق عليه «المحيي» و«المتكلّم»، وعندما يسلبه حياته يعتبر «المميت»، وحينما يهديه ويغضّ النظر عن ذنبه يسمّى «الهادي» و«التوّاب»، خلافاً للعلم والقدرة والحياة التي هي صفات

1.الشورى: ۱۱.

2.راجع: نهج البلاغة: الخطبة ۱۸۶.

3.الأعراف: ۱۴۳.

4.مريم: ۹.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 28008
صفحه از 616
پرینت  ارسال به