451
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

والقرآن قديم حسب المعنى الأوّل، حادث حسب المعنى الثاني. ويقول الشهرستاني في رواية عن الأشعري:
معنى قائم بالنفس سوى العبارة، والعبارة دلالة عليه من الإنسان. فالمتكلّم عنده من قام به الكلام.۱

ويعدّ ما قاله الفاضل القوشجي الأوضح بين الأقوال المختلفة في تفسير الكلام النفسي، حيث قال:۲ان المراد من أن يأمر و ينهى أو ينادي أو يخبر عن شي‏ء أو يسأل ، فانه بحس في داخله بمجموعة من المعانى يعبر عنها بالكلام اللفطي ، والكلام النفسي هو ما يجده في القب ولا يتبدل باختلاف الألسنة والأمكنة ويريد المتكلم ان يستقر في ذهن المسمع عن طريق الكلام الحسي (اللفظي) .۳

يقول العلّامة الطباطبائي في نقد له لتحليل الأشاعرة هذا:
إن اُريد بالكلام النفسي معنى الكلام اللفظي أو صورته العلمية التي تنطبق علي لفظه عاد معناه إلى العلم، ولم يكن أمراً يزيد عليه وصفة مغايرة له، وإن اُريد به معنى وراء ذلك فلسنا نعرفه في نفوسنا إذا راجعناها.۴

ويرى العلّامة الطباطبائي نفسه في تحليل ماهيّة الكلام وحقيقته أنّ الإنسان - باعتباره موجوداً مدنياً بالطبع - هو بصدد إيجاد طرق الارتباط بينه وبين الآخرين، واللغة والكلام هما من جملة هذه الطرق، وكيفية هذا الارتباط هو أن يُحدثَ صوتاً في الفم ويخرج من الحنجرة، وتحصل من تركيب تلك الأجزاء علامات باسم الكلمات، لكلّ منها معنى ومن خلالها يسدّ المتكلّم حاجته إلى نقل مقاصده. ويتّضح - من خلال أخذ هذه المباحث بنظر الاعتبار - أنّ الكلام بالنسبة إلى اللَّه

1.الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۴ ص ۲۵۰.

2.الشورى: ۱۱.

3.شرح تجريد للقوشجي : ص ۲۵۹ وراجع: المحصل : ص ۱۲۶ .

4.راجع: الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۴ ص ۲۴۷ (كلام في معني حدوث الكلام وقدمه).


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
450

أنّ الكلام الإلهي هو صفة ذاتية للباري تعالى‏۱. ويقول العلّامة الطباطبائي:
أنّ الكلام بحسب الحقيقة ليس فعلاً ولا صفة للمتكلّم؛ لانّه أمر اعتباري لا تحقّق له إلّا في ظرف الدعوى والوضع، فلا يكون فعلاً حقيقياً صادراً عن ذات خارجية، ولا صفة لموصوف خارجي. نعم، الكلام بما أنّه عنوان لأمر خارجي وهو الأصوات المؤلّفة، وهي أفعال خارجية للمتصوّت بها تعدّ فعلاً للمتكلّم بنوع من التوسّع، ثمّ يؤخذ عن نسبته إلى الفاعل وصف له وهو التكلّم والتكليم، كما في نظائره من الاعتباريّات كالخضوع والإعظام والإهانة والبيع والشراء ونحو ذلك.۲

۳. حقيقة الكلام الإلهي‏

يرى المعتزلة - في بيان حقيقة الكلام - أنّ كلام اللَّه عبارة عن الأصوات والحروف التي لا تقوم بذاته، بل إنّ اللَّه خلقها في غير ذاته، مثل اللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبيّ.۳

ويرى الحنابلة أنّ كلام اللَّه عبارة عن الحروف والأصوات القائمة بالذات الإلهية القديمة۴. وقد انبرى الأشاعرة من خلال طرح نظرية الكلام النفسي إلى إعادة بناء نظرية الحنابلة، وسعوا للتقليل من ضعفها.

وقد تمّت في هذه النظرية المحافظة على قدم القرآن، كما اُزيلت في الوقت نفسه منافاته مع بعض الآيات والروايات الدالّة على حدوثه. وهم يرون أنّ الكلام على قسمين: نفسي ولفظي، والكلام النفسي ليس خبراً ولا هو بالأمر ولا بالنهي، ولا يدخل فيه الزمان الحاضر والماضي والمستقبل، ولا يتضمّن أيّاً من الأحكام اللفظية والخيالية.۵

1.شرح الاُصول الخمسة: ص ۳۵۸؛ محاضرات في الإلهيّات: ص ۱۱۸.

2.راجع: شرح الاُصول الخمسة: ص ۳۶۰ و ۳۶۸، محاضرات في الإلهيات: ص ۱۲۳.

3.تعليقات كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص ۳۲۴.

4.الملل و النحل، الشهرستاني: ج ۱ ص ۹۶؛ أعيان الشيعة: ج ۱ ص ۱۰۸.

5.شرح التجريد: ص ۲۵۹ وراجع: المحصل: ص ۱۲۶.

تعداد بازدید : 27966
صفحه از 616
پرینت  ارسال به