443
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

الزنديق أوّل من ألّف كتاباً في باب خلق القرآن.۱

وقد هيّأت مسألة حدوث القرآن وقدمه الأرضية لحدوث نزاع شديد، دائم بين الفرق الإسلامية، عرف في كتب التاريخ باسم «محنة القرآن»، وأدّى ميل المأمون العبّاسي إلى رأي حدوث القرآن وإعلانه سنة ۲۱۲ه إلى دعم المعتزلة وتعزيز موقفهم، وبذلك خضع معارضوهم - الذين كانوا يعرفون بأهل الحديث - إلى ضغوط سياسية ودينية كثيرة.۲

وقد استطاع المعتزلة أن يقنعوا المأمون بأنّ الاعتقاد بقدم القرآن كاعتقاد المسيحيين بشأن المسيح عليه السلام ۳، وبادر المأمون في البدء إلى نشر معتقداتهم من خلال البحث والمناظرة، ولكن لمّا أصرّ أهل الحديث على عقيدتهم، استخدم العنف والبطش شيئاً فشيئاً، وازدادت عمليات القمع لمنكري خلق القرآن.

وأصدر المأمون أمراً حكومياً سنة ۲۱۸ و يقضي بوجوب التزام جميع الناس بعقيدة خلق القرآن، وذلك بعد أن بعث رسالة إلى إسحاق بن إبراهيم (والي بغداد) أوضح فيها الآيات الدالّة علي خلق القرآن، وأمره بعزل جميع القضاة الذين يعتقدون بقدمه، وأن يختار قضاة من القائلين بحدوثه كما أمره بردّ شهادة المعتقدين بقدم القرآن.

وقد واجه هذا الأمر الحكومي معارضة عدد من الوجوه السياسية والثقافية والإدارية، إلّا أنّه حسم هذه المعارضة من خلال استدعائهم إلى البلوط الملكي وإبراز غضبه الشديد من ذلك.

ومع كلّ هذا، فقد هبّ أحمد بن حنبل وبشر بن الوليد وبعض وجهاء بغداد لمعارضة أوامر المأمون.

1.شرح العيون: ص ۲۹۳.

2.تاريخ تمدن إسلامي: ج ۳ ص ۱۵۶.

3.بحوث في الملل و النحل: ج ۳ ص ۴۴۸ وراجع: محاضرات في الإلهيات: ص ۱۲۴.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
442

نتاج التأثّر بعقيدة التجسّد في المسيحية بالمقارنة بين «كلمة اللَّه» و«الكلام الإلهي»؛ وبناء على هذا التصوّر فإنّ كلّ ظاهرة سماوية ومنبثقة من اللوح المحفوظ هي أيضاً قديمة وغير مخلوقة بالضرورة، وقد طرحت منذ النصف الثاني من القرن الأوّل بين بعض الصحابة والتابعين‏۱، وتحوّلت منذ بداية القرن الثاني إلى مسألة كلامية مثيرة للجدل. وقدّم المعتزلة وبعض آخر من أصحاب علم الكلام في مقابل هذا الرأي - الذي اعتبروه عقيدة غير معقولة ومتعارضة مع التوحيد - رأياً يقول بحدوث القرآن‏۲. وقد هدد الرأي المذكور - من خلال نفي قدم القرآن - الاعتقاد بكونه كتاباً فوق مستوي البشر، حيث يصوّر النصّ المقدّس باعتباره نصّاً تاريخياً على غرار النصوص الاُخرى، كما أنّ الاعتقاد بقدم القرآن يخلق في المقابل شائبة الشرك عن طريق الاعتقاد بأكثر من وجود أزلي.۳

واختلفت الآراء في الكتب التاريخية بشأن من طرح هذا البحث لأوّل مرّة، وتذكر المصادر عادة بعض الشخصيات باعتبارها أوّل من ادّعت خلق القرآن، وهي جعد بن درهم‏۴الذي اُعدم بسبب معتقداته في السنوات الأخيرة من حكم هشام بن عبدالملك (ت ۱۲۵ق) على يد عبداللَّه القسري‏۵، وجهم بن صفوان‏۶ الذي قتل سنة ۱۲۸ه بسبب اشتراكه في ثورة الحارثة بن سريج في خراسان‏۷، وغيلان بن يونس العدوي الدمشقي‏۸ الذي كان والده من موالي عثمان بن عفّان. كما اعتبر طالوت

1.فلسفة علم كلام : ص ۶۸ و ۲۵۴ - ۲۶۸ .

2.تاريخ الطبري : ج ۷ ص ۱۹۵ - ۱۹۶ و ۱۹۸ .

3.راجع: الحاشية على الكشّاف: ص ۵ - ۸؛ إعجاز القرآن بين المعتزلة والأشاعرة: ص ۲۵ - ۳۰ و ۲۱۰ - ۲۱۳.

4.شرح العيون: ص ۲۹۳.

5.العلل لمحمّد بن حنبل: ج ۱ ص ۶۸؛ تاريخ العبّاسيين: ص ۵۵۹ - ۵۶۰.

6.الأعلام: ج ۲ ص ۱۴۱.

7.تاريخ العباسيين: ص ۵۵۹ - ۵۶۰.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27907
صفحه از 616
پرینت  ارسال به