429
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

موجودة في الأشياء التي تتطلّب الوجوب والحرمة وأمثالهما، وبما أنّه قد تكون هذه المصالح والمفاسد مؤقّتة، فإنّ حكمها يتغيّر بمرور الزمان. وفي مثل هذه الحالات، تتعلّق إرادة اللَّه - تعالى - منذ البدء بسنّ القانون المؤقّت، ولا تحدث إعادة نظر وتغيير في الحكم الإلهي‏۱؛ وبناء على ذلك، فما هو معروف باسم «النسخ القرآني» ما هو إلّا إعلان لانتهاء زمان العمل بالحكم المنسوخ، وبدء زمان العمل بالناسخ.

۵. الأنواع المتصوّرة للنسخ في القرآن‏

تمّ تصوّر أنواع مختلفة للنسخ في القرآن، أهمّها:

أوّلاً. نسخ الحكم والتلاوة

تمّ حسب هذا الفرض حذف الآية المشتملة على حكم مّا من القرآن تماماً. والنموذج الذي ذكر لهذا النوع من النسخ هو بناء على رواية ضعيفة عن عائشة، تقول فيها: نزلت على النبيّ صلى اللّه عليه و آله آية بهذا النصّ:
عَشْرُ رَضَعاتٍ مَعلُوماتٍ يُحرِمْنَ .

ثمّ نسخت بآية اُخرى كانت تعتبر خمس مرّات كافية. وكلتا الآيتين (الناسخة والمنسوخة) كانتا في القرآن والناس يتلونهما، إلّا أنّ حيواناً أكلهما من المصحف الذي كانتا مسجّلتين فيه.۲

ترى كيف من الممكن أن تكون بعض الآيات التي كانت تتلى دوماً من قبل الجميع، بل وكانت تتلى بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، قد أكلها ماعز بعد وفاته صلى اللّه عليه و آله ، لتزول الآيتان كلتاهما؟!

1.راجع: البيان في تفسير القرآن: ص ۲۷۸ - ۲۷۹؛ التمهيد: ج ۲ ص ۲۶۸.

2.وردت هذه الرواية في مصادر أهل السنّة. على سبيل المثال راجع: كتاب الموطّأ: ج ۲ ص ۶۰۹، سنن النسائي: ج ۴ ص ۱۰۰.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
428

ومن الواضح أنّ جمعهما في موضوع وزمان واحد لن يكون ممكناً في هذه الحالة، وبذلك يخرج «التخصيص» و «التقييد» من تعريف النسخ؛ لأنّ الحكم السابق يكون عامّاً أو مطلقاً أحياناً والحكم اللاحق خاصّاً أو مقيّداً، وفي هذه الحالة يكون الحكم اللاحق مخصّصاً أو مقيّداً للحكم السابق لا ناسخاً له، ويقلّل في الحقيقة من رقعة الحكم السابق، ولا يزيله بنحو كامل، وهو بحدّ ذاته جمع عرفي خارج عن دائرة النسخ؛ ولذلك فالاختلاف بين النسخ والتخصيص يكمن في أنّ النسخ هو رفع الحكم السابق عن كلّ أفراد الموضوع، والتخصيص رفع الحكم عن بعض الأفراد.

ومن الضرروي التذكير بهذه الملاحظة وهي: أنّ التضادّ بين الناسخ والمنسوخ ظاهري (أو مجازي) لا حقيقي؛ لأنّ رجوع ظاهرة النسخ إلى زمان ومدّة الحكم في الحقيقة، بمعنى أنّ حكم المنسوخ نافذ ومعتبر في نطاق زمني معيّن، ثمّ ينتهي هذا الزمان، ويبدأ زمان نفوذ حكم الناسخ واعتباره، علماً أنّ الحكم السابق (المنسوخ) كان مؤقّتاً منذ البدء، ولكن اللَّه لم يعلن مدّته، ويبدو وكأنّه قد شرّع بنحو مطلق ودائم، ثمّ أظهر مدّة الحكم السابق بالتشريع اللاحق (الناسخ) وأخبر بانتهاء زمان اعتباره.۱

وبعبارة اُخرى: إنّ روح النسخ تعود إلى «التخصيص الأزماني» في مقابل «التخصيص الأفرادي»، ومن الواضح أنّ التضادّ بين الحكمين ليس حقيقياً؛ ولذلك فإنّ المتخصّصين لم يعتبروا النسخ القرآني حقيقياً أساساً، وعدّوه مجّازياً أو ظاهرياً.۲

ويتّضح من هنا الفرق بين القوانين البشرية والقوانين الشرعية، فالقوانين البشرية تطرأ عليها إعادات النظر الأساسية بين زمن وآخر؛ بسبب ضعف المشرّع وجهله، فتتغيّر وتنسخ، وبعد مدّة يظهر نقصانها وعدم كفاءتها في ساحة العمل، فتنسحب لتحلّ محلّها قوانين تتضادّ معها تماماً. وأمّا فيما يتعلّق بسنّ القوانين الشرعية فالقضية بنحو آخر : فنحن نعلم أنّ المصالح و المفاسد في الأحكام الشرعية

1.البيان في تفسير القرآن: ص ۲۷۹ - ۲۸۰.

2.نسخ در قرآن، تازه‏ترين ديدگاه‏ها، محمد هادى معرفت، بينات، العدد ۴۴، ص ۱۰۰ - ۱۰۱.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27660
صفحه از 616
پرینت  ارسال به