427
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

۴. النسخ في الاصطلاح المتأخّر

عندما ازدهرت مسيرة التأليف في الناسخ والمنسوخ، أضاف العلماء - وخاصّة الأصوليّون - بعض القيود والشروط على المفهوم السابق، وقدّموا تعاريف محدودة أكثر، وأخرجوا تغييرات مثل التقييد والتخصيص من دائرة شموله. وتدلّ دراسة آراء العلماء في القرن الرابع وما بعده على أنّ هذا المفهوم طرأت عليه بعض التغييرات في هذا العهد نفسه أيضاً۱. وطرح أخيراً في عصرنا الحالي تعريف محدود للغاية للنسخ.

واستناداً إلى هذا التعريف، فإنّ النسخ هو: رفع الحكم السابق - الذي كان يقتضي الدوام حسب الظاهر - بتشريع الحكم اللاحق، بحيث لا يعود بالإمكان الجمع بينهما. ومن أجل إيضاح هذا التعريف يجب شرح مصطلحاته الأساسية:

الحكم‏

المراد من الحكم (الناسخ أو المنسوخ): الحكم الشرعي (التكليفي أو الوضعي)؛ ولذلك فالتغييرات التي تحدث خارج هذا النطاق، خارجة عن بحث الناسخ والمنسوخ. وعلى سبيل المثال، فإنّ ارتفاع وزوال حكم عقلي - مثل الإباحة الأصلية - بتشريع مّا لا يكون نسخاً.

اقتضاء الدوام‏

المراد من الدوام هو أن لا يكون الحكم السابق محدوداً بزمان معيّن، وإذا ما كان محدوداً بزمان معيّن صراحةً فإنّه يخرج عن تعريف النسخ ويسقط الحكم عن الاعتبار تلقائياً بحلول الزمان المعيّن.

عدم إمكان الجمع‏

يعني هذا الأمر أن يكون هنالك تباين كلّي (تضادّ) بين الحكم السابق واللاحق‏۲،

1.راجع: "النسخ من منظر البحث" على كربلايي بازوكي، بينات، العدد ۲۹، ص ۷۱ - ۷۳۱.

2.التمهيد في القرآن: ج ۲ ص ۲۶۷.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
426

الإنسان. فكأنّ الكتاب الأصلي الذي هو أعمال الإنسان نفسها، يتحوّل في القيامة إلى نسخة جديدة تسمّى كتاب الأعمال، ويوضع أصل الأعمال جانباً.

وبناء على ذلك فالنسخ في القرآن الكريم أعمّ من النسخ التكويني والتشريعي، وأعمّ من تخصيص الأحكام التشريعية وتقييدها، بل يشمل كلّ نوع من التغيير في مفاد الآيات الإلهية. كما أنّ التعبيرين « مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ »۱ و « إِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ »۲ يمكن أن يكونا قرينة اُخرى لتأييد هذا الادّعاء.

كما استعمل «النسخ» في روايات أهل البيت عليهم السلام في هذا المفهوم العام نفسه‏۳؛ ولذلك فقد حظر تفسير القرآن وبيان الأحكام الشرعية من دون معرفة الناسخ والمنسوخ.۴

۳. النسخ في اصطلاح القدماء

تظهر الدراسة التاريخية لتعاريف العلماء لمصطلح النسخ أنّ كلّ نوع من التغيير في بيان الحكم الشرعي - حتّى تخصيص العام، وتقييد المطلق، وبيان المجمل السابق - كان يسمّى قديماً بالنسخ؛ لأنّ كلّ هذه المواضع مشتركة في مفهوم واحد وهو: «عدم إرادة الحكم السابق بحسب الظاهر».

وهكذا فلم يكن في العصر الأوّل اختلاف كبير بين المعنى اللغوي للنسخ ومفهومه في القرآن والحديث وكذلك معناه الاصطلاحي، وبعبارة اُخرى: كان للنسخ الاصطلاحي معنى عامّ في السابق، ويعدّ النسخ الاصطلاحي في العهود الأخيرة أحد مصاديقه.۵

1.البقرة: ۱۰۶.

2.النحل: ۱۰۱.

3.راجع: ص ۴۰۱ (القسم الأوّل / الفصل الثامن / الآيات التي سمّيت بالمنسوخ).

4.راجع: ص ۴۰۰ (القسم الأول / الفصل الثامن / معرفة الناسخ والمنسوخ).

5.على سبيل المثال، انظر: الناسخ والمنسوخ تأليف السدوسي (ت ۱۱۷ق) الذي اعتبر عدد نسخ القرآن كثيرة.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27840
صفحه از 616
پرینت  ارسال به