الإنسان. فكأنّ الكتاب الأصلي الذي هو أعمال الإنسان نفسها، يتحوّل في القيامة إلى نسخة جديدة تسمّى كتاب الأعمال، ويوضع أصل الأعمال جانباً.
وبناء على ذلك فالنسخ في القرآن الكريم أعمّ من النسخ التكويني والتشريعي، وأعمّ من تخصيص الأحكام التشريعية وتقييدها، بل يشمل كلّ نوع من التغيير في مفاد الآيات الإلهية. كما أنّ التعبيرين « مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ »۱ و « إِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ »۲ يمكن أن يكونا قرينة اُخرى لتأييد هذا الادّعاء.
كما استعمل «النسخ» في روايات أهل البيت عليهم السلام في هذا المفهوم العام نفسه۳؛ ولذلك فقد حظر تفسير القرآن وبيان الأحكام الشرعية من دون معرفة الناسخ والمنسوخ.۴
۳. النسخ في اصطلاح القدماء
تظهر الدراسة التاريخية لتعاريف العلماء لمصطلح النسخ أنّ كلّ نوع من التغيير في بيان الحكم الشرعي - حتّى تخصيص العام، وتقييد المطلق، وبيان المجمل السابق - كان يسمّى قديماً بالنسخ؛ لأنّ كلّ هذه المواضع مشتركة في مفهوم واحد وهو: «عدم إرادة الحكم السابق بحسب الظاهر».
وهكذا فلم يكن في العصر الأوّل اختلاف كبير بين المعنى اللغوي للنسخ ومفهومه في القرآن والحديث وكذلك معناه الاصطلاحي، وبعبارة اُخرى: كان للنسخ الاصطلاحي معنى عامّ في السابق، ويعدّ النسخ الاصطلاحي في العهود الأخيرة أحد مصاديقه.۵