357
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

نقصان معلومات مؤلّفة ومحدوديته، كما أنّ مبدعي الآثار العلمية الكبرى اعترفوا بنقصان اكتشافاتهم. غير أنّ هناك أثراً يعلن شمولية موضوعاته وكمالها وصدقها:
« ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ».۱« وَ بِالْحَقِ‏ّ أَنزَلْنَاهُ وَ بِالْحَقِ‏ّ نَزَلَ ».۲

وهذا الأثر هو القرآن الذي تحيّر العلماء والباحثون عن الحكمة بالعالم في تفوّقه وعظمته بالرغم من مرور أربعة عشر قرناً على نزوله، فمرور الأيّام والتطوّر المتزايد للعلوم والمعارف البشرية أثبتا صحّة هذا الادّعاء وصدقه أكثر من أيّ وقت مضى. وهذه الحقيقة يبيّنها القرآن في إحدى آياته الاستدلالية قائلاً:
« أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ».۳

و يشمل هذا الاختلاف كلّ نوع من الاضطراب ، وعدم الانسجام ، والتعارض والتناقض.۴

ومن الضروري التطرّق إلى الملاحظات التالية:

الاُولى: إنّ الإنسان له - كغيره من الكائنات الطبيعية في هذا العالم - نموّ وتكامل تدريجيّان متّجهان نحو الاتّساع، وأنّه يكتسب المزيد من التجارب والمهارات على مرّ الزمن (التكامل التدريجي).

الثانية: إنّنا لا نجد أيّ إنسان يحيط بكلّ الآفاق ويجمع كلّ العلوم، بل إنّ وجوده يلازم دوماً مجهولات كثيرة (المحدودية وإمكانية الخطأ).

الثالثة: إنّ الإنسان يخضع لتأثير الأوضاع المختلفة لبيئة حياته بحسب محدوديته في عالم الطبيعة، فالصحّة والمرض، والفقر والغنى، والحرب والسلام وغيرها، كلّ ذلك يترك أثراً خاصّاً في روحه وفكره (التأثّر).

1.البقرة: ۲.

2.الإسراء: ۱۰۵.

3.النساء: ۸۲.

4.الميزان في تفسير القرآن، ج ۱ ص ۶۶.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
356

يَعْلَمُونَ ».۱

كما أنّه ذمّ التعلّق بالدنيا؛ لأنّها تعتبر العامل الذي يردع الإنسان عن الهدف الرئيس الخالد:
« وَ مَا هَذِهِ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْأَخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ».۲

وظواهر هذه الدنيا وبضائعها - حسب التقييم القرآني للدنيا والآخرة - بمنزلة آيات إلهية وأدوات مفيدة يستخدمها الإنسان، فالدنيا مدرسة تربيته وجسر عبوره، وليست موضع الحياة ومقصدها.۳

وهكذا يرسم القرآن صورة لاُمّة معتدلة وواقعية وحكيمة، هي نموذج ومعيار لآلخرين:
« وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ».۴

لقد علّم إنسان - في برهة قصيرة ومضطربة من عمره - المجتمع البشري كلّ هذه المعارف بتلك الخصوصيّات والامتيازات، علماً أنّ هذا الإنسان ما التحق بمدرسة ولا رأى معلّماً، وما نظم شعراً ولا كتب خطّاً طيلة عمره:
« وَ مَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَ لَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ».۵

د - الخلو من الاختلاف والتناقض‏

يحفل تاريخ الحضارة والعلم بآثار علمية لا حصر لها، وروائع كثيرة هي من معطيات التأمّلات العقلية والتجريبية للإنسان، لقد عاش على هذه الأرض الكثير من المفكّرين العمالقة وتركوا آثاراً قيّمة، إلا أنّ كلّ واحد من هذه الآثار العلمية يدلّ على

1.الأعراف: ۳۲.

2.العنكبوت: ۶۴.

3.البقرة: ۲۰۰ - ۲۰۲.

4.البقرة: ۱۴۳.

5.العنكبوت: ۴۸.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 28020
صفحه از 616
پرینت  ارسال به