وأمّا القرآن فهو كتاب الهداية والتعاليم الاستراتيجية للإنسان لتنظيم أنواع علاقاته ومع إله الكون ومع نفسه، وأبناء جنسه وأفراد المجتمع. ويكمن فن القرآن في أنّه اهتمّ بكلّ العلاقات في حياة الإنسان بنظرة شاملة ومتناسقة.
وتمثّل النظم الأخلاقية والتشريعية المختلفة المتعلّقة بالحياة الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها في القرآن - الذي غطّى كلّ ساحات الحياة العقلية للإنسان - موضوع الآلاف من المداخل والمئات من الكتب في تلك المجالات.
وقد بيّنت القوانين التشريعية الشاملة للقرآن المصالح الحقيقية للمخاطبين - سواء أكانوا رجالاً أم نساء، شيوخاً أم أطفالاً أم شباباً بنظرة متوازنة واقعية.
وفضلاً عن كلّ ذلك فإن الملاحظة التي لا يمكن تجاهلها بسهولة هي أنّ النظرة الإلهية، والتوجّه إلى اللَّه في ساحة الحياة الفردية والاجتماعية للإنسان، ومسؤوليته المستمرّة أمام خالقه حظيت دوماً بالاهتمام في نظام التشريع القرآني، وهي الملاحظة التي أغفلتها القوانين الوضعية البشرية.
والعناوين المختلفة المتمثلّة في الطهارة، الصلاة، الزكاة، الخمس، الصوم، الصلاة، الحجّ، الاعتكاف، الجهاد والصلح، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإرث، القضاء، الشهادات، الحدود والتعزيرات، القصاص، الشفعة، الغصب، إحياء الموات، الأطعمة والأشربة، التجارة، الرهن، الحجر، الضمان، الشركة، المضاربة، المزارعة، المساقاة، الوديعة، العارية، الإجارة، الوكالة، الوقف، السكنى، الهبة، المسابقة، الوصيّة، النكاح، الطلاق، اللعان، العتق، القسم، النذر وما إلى ذلك من العناوين الشائعة في التشريع الإسلامي، هي شاهد صادق على تلك العظمة والرؤية الشاملة إلى حياة الإنسان والتي تشمل حياة الإنسان منذ أن كان جنيناً - بل وقبل ذلك وعند اختيار الزوج واُسلوب الحياة الزوجية - وحتّى الحياة بعد الموت والعالم الخالد. كما أنّ نظرة إلى العناوين الأخلاقية في كتب الأخلاق الإسلامية - المستمدّة من الكتاب والسنّة - تبيّن هذه الحقيقة نفسها.