« وَ مِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ».۱
وقد ذكر مولى المتّقين أمير المؤمنين عليه السلام معنى هذه الآية قائلاً :
مُؤَلِّفٌ بَينَ مُتَعادِياتِها ، ومُفَرِّقٌ بَينَ مُتَدانِياتِها ، دالَّةٌ بِتَفريقِها عَلى مُفَرِّقِها ، وبِتَأليفِها عَلى مُؤَلِّفِها ، وذلِكَ قَولُهُ تَعالى : « وَ مِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » .۲
۲ - ۳. القرآن والتاريخ وفلسفته
تذكر في المؤلّفات القديمة المتعلّقة بوجوه إعجاز القرآن بعض النماذج من الملاحم، باعتبارها إعجازاً للقرآن في الإخبار عن الغيب، ويتمّ تسليط الأضواء عليها، منها: خبر انتصار الروم وابتهاج المؤمنين في المستقبل القريب:
« الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ».۳
ولكن يبدو أنّ المسألة الأهمّ من ذلك هي النظرة الميتافيزيقية (غير الماديّة) للقرآن إلى المجتمع البشري وصعوده وهبوطه. وحياة الإنسان على الأرض - حسب التحليل القرآني - تجري على أساس السنن الإلهية، ونوع خاصّ من العلاقات بين الأسباب والمسبّبات التي لا تستوعبها اُطر التحليلات العلمية - التجريبية وحتّى العقلية - الاستدلالية. هذا التحليل هو ما يمكن أن نعبّر عنه بالتحليل الميتافيزيقي (غير المادّي)، وسنشير إلى جوانب من هذه النظرة القرآنية المتعلّقة بماضي المجتمع البشري ومستقبله.
كما أنّ رواية تاريخ حياة البشرية، وبيان فلسفة التاريخ، والسنن المهيمنة على مصير المجتمع البشري، كلّ ذلك هو من الجوانب الجذّابة في القرآن الكريم، فقد استعرض الأسرار الدفينة في أعماق تاريخ الشعوب والاُمم السابقة، والمشاهد