349
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

المجهولة في كتاب البشر الغابرين، مثل ما راود يوسف من أفكار في البئر والسجن، والحوار السرّي بين أصحاب الكهف، وموسى والخضر، وإبراهيم وإسماعيل، وآدم وحواء وغيرهم بهدف بيان الآثار التربوية، واستلهام الدروس والعبر منها:
« تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَ لَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ».۱

وأصلح القرآن الحقائق المقلوبة في التاريخ، ومحا التحريفات التي كانت قد رسمت على جبين الأطهار بيد الطغاة والظلمة المزوّرين.
« مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ».۲« وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى‏أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍ‏ّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلَا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّمُ الْغُيُوبِ ».۳

إنّ معرفة الجانب التاريخي من القرآن هو - في الحقيقة - تبيان لحياة الصالحين والطالحين، وللطبائع والأفعال والسلوكيات واستعراض للنماذج الصالحة والشرّيرة، وليس بياناً لأحوال الحكّام والأثرياء.

لقد فتح القرآن في رؤيته التاريخية زاوية جديدة، كما اهتمّ اهتماماً جادّاً بالسنن الحتمية في مسار فلسفة التاريخ، وعوامل ازدهار المجتمعات البشرية واُفولها، والنصر النهائي لجيش الحقّ على الباطل، وهي الزاوية التي لا يستوعبها التحليل العلمي التجريبي لأيّ عالم اجتماع.

وعلى هذا الأساس، فقد بشّر النبيّ صلى اللّه عليه و آله بانتصاره على كلّ الأعداء المتجبّرين:

1.هود: ۴۹.

2.آل عمران: ۶۷.

3.المائدة: ۱۱۶.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
348

« وَ مِن كُلِ‏ّ شَىْ‏ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ».۱

وقد ذكر مولى المتّقين أمير المؤمنين عليه السلام معنى هذه الآية قائلاً :
مُؤَلِّفٌ بَينَ مُتَعادِياتِها ، ومُفَرِّقٌ بَينَ مُتَدانِياتِها ، دالَّةٌ بِتَفريقِها عَلى‏ مُفَرِّقِها ، وبِتَأليفِها عَلى‏ مُؤَلِّفِها ، وذلِكَ قَولُهُ تَعالى‏ : « وَ مِن كُلِ‏ّ شَىْ‏ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » .۲

۲ - ۳. القرآن والتاريخ وفلسفته‏

تذكر في المؤلّفات القديمة المتعلّقة بوجوه إعجاز القرآن بعض النماذج من الملاحم، باعتبارها إعجازاً للقرآن في الإخبار عن الغيب، ويتمّ تسليط الأضواء عليها، منها: خبر انتصار الروم وابتهاج المؤمنين في المستقبل القريب:
« الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ».۳

ولكن يبدو أنّ المسألة الأهمّ من ذلك هي النظرة الميتافيزيقية (غير الماديّة) للقرآن إلى المجتمع البشري وصعوده وهبوطه. وحياة الإنسان على الأرض - حسب التحليل القرآني - تجري على أساس السنن الإلهية، ونوع خاصّ من العلاقات بين الأسباب والمسبّبات التي لا تستوعبها اُطر التحليلات العلمية - التجريبية وحتّى العقلية - الاستدلالية. هذا التحليل هو ما يمكن أن نعبّر عنه بالتحليل الميتافيزيقي (غير المادّي)، وسنشير إلى جوانب من هذه النظرة القرآنية المتعلّقة بماضي المجتمع البشري ومستقبله.

كما أنّ رواية تاريخ حياة البشرية، وبيان فلسفة التاريخ، والسنن المهيمنة على مصير المجتمع البشري، كلّ ذلك هو من الجوانب الجذّابة في القرآن الكريم، فقد استعرض الأسرار الدفينة في أعماق تاريخ الشعوب والاُمم السابقة، والمشاهد

1.الذاريات: ۴۹.

2.راجع : ص ۲۵۸ ح ۲۵۴.

3.الروم: ۱ - ۴.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27431
صفحه از 616
پرینت  ارسال به