343
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

الإنسان من وجهة نظر القرآن‏

إنّ سبر أغوار الإنسان وحياته الواسعة واللانهائية ومعرفة الآخرة هي مظهر آخر من عظمة القرآن وإعجازه. فالالتفات إلى المجالات المختلفة لجسم الإنسان وروحه وعقله ومبدئه ومنتهاه ومساره وبرنامج سعيه وجهده، ومن أين جاء، وإلى أين يذهب، وأين هو، وما هي المثل التي يطمح إليها، وكيف يجب أن يكون، وماذا يجب أن يفعل؟ والاهتمام العلمي الدقيق بجزئيات مراحل تكوّن الجنين وولادته، كلّ ذلك هو آية عجيبة على عظمة القرآن، إلى جانب المعارف الإنسانية التجريبية والفلسفية والعرفانية!
« وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَمًا فَكَسَوْنَا الْعِظَمَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَلِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ».۱

والإنسان في القرآن ليس مجبولاً على الخبث الذاتي، كما تصوّر ذلك بعض النصوص الدينية المحرّفة السابقة، بل له وجهتان: مُلكية وملكوتية. وفضلاً عن أنّه يمتلك الخصائص الجمادية والنباتية والحيوانية، فإنّه يتمتّع بقوّة «الفهم والإدراك» و«الاختيار»، وهي الخصوصيّات التي تجعل منه الابن البالغ للوجود، وخليفة اللَّه وحامل أمانته، وصانع مصيره:
« إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا ».۲

واستناداً إلى هذه الرؤية، فإنّ فطرة كلّ إنسان تجمع بين كونها منشأ إلهياً سامياً ومصدراً للميول الطبيعية، والإرادة لها في اختيار أيّ الجهتين، كما يقول الشاعر:

«ينطلق من العالم نداءان متضادّان، فأيّهما أنت مستعدّ لسماعه؟ أحدهما نداء انبعاث الأتقياء ونشورهم، والآخر نداء خداع الأشقياء.۳

1.المؤمنون: ۱۲ - ۱۶.

2.الإنسان: ۳.

3.مثنوى معنوى: ص ۷۰۶ الكراس الرابع. نصيحة الدنيا لأهل الدنيا.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
342

الوجود، والمنزّهة من كلّ نقائص وخصائص الكائنات المادية في عالم الإمكان:
« وَلِلَّهِ الأَْسْمَاءُ الْحُسْنَى‏ ».۱

وهو فوق الخيال البشري القاصر، مع قربه الوجودي وإحاطته القيّومية. وهو الخالق والمدبّر للوجود كلّه، فمنه يستمدّ نشأته وديموميته لحظة بلحظة.
« كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ ».۲

ولأفعاله أهداف حكيمة تتحقّق على أساس الفيض والرحمة والحقّ:
« أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِى أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِ‏ّ ».۳« وَ مَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ».۴

وتوحيد القرآن هو توحيد الخالقية والربوبية والاُلوهية، وهذه المراتب لا يمكن أن ينفصل بعضها عن بعض. ويقدّم القرآن للمخاطبين خلال عرضه لطرق معرفة اللَّه كلّ طرق الآيات في «الآفاق» و«الأنفس»:
« سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْأَفَاقِ وَ فِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى‏ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ».۵« أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ».۶

وكما أنّ إله القرآن هو إله العقل والحكمة، فإنّه إله الحبّ والعشق والجمال، وكلّ مخلوق من مخلوقات الكون منجذب ومتّجه إليه، ويناجيه من أعماق الوجود:
« إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا ءَاتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا ».۷« أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ».۸

1.الأعراف: ۱۸۰.

2.الرحمن: ۲۹ .

3.الروم: ۸.

4.الإسراء: ۲۰.

5.فصّلت: ۵۳.

6.إبراهيم: ۱۰.

7.مريم: ۹۳.

8.آل عمران: ۸۳.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27344
صفحه از 616
پرینت  ارسال به