333
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

وذرّة بذرّة، كما أنّهما يجب أن يتطابقا مع اُمور الواقع؛ وبناء على ذلك فإنّ أفضل الكلام هو الذي تجتمع فيه سلاسة اللفظ ومتانة السبك والاُسلوب وبلاغة المعنى، ولا يكون أيّ اختلاف بين أجزاء الكلام‏۱. وهو ما يتجلّى في الأمر العجيب للقرآن.

والقرآن هو ترجمان للحقائق السامية وليس رسالة خيالية مثيرة للأحاسيس، إلّا أنّ النصّ العاكس للحقيقة هنا يتمتّع بالمحسّنات الملفتة للنظر، والتزيينات المحيّرة للعقول في بيان الحقيقة بحيث يوجه مخاطبيه من دون اختيار إلى أعماق المعنى، ويصوّر ويجسّم المعاني بعينها أمام أنظارهم، ويحرّك إحساسهم الخارجي وشعورهم الداخلي ويسيطر عليهما.

وقد كتب الطيّبي في القرن الثامن في ذيل الآية:
« فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ ».۲

قائلاً:

وقيل في معنى: (من فوقهم) قولان: أحدهما: أنّه قال ذلك تأكيداً، كقولك: قلت أنت. الثاني: أنّهم كانوا تحته، وقد يقول القائل: تهدّمت عليَّ المنازل، وإن لم يكن تحتها، وأيضاً فليعلم أنّهم لم يكونوا فوق السقوف. وقال ابن عبّاس وزيد بن أسلم: الذين خرّ عليهم السقف من فوقهم نمرود بن كنعان. وقال غيرهم:بخت نصر، وقال الزجاج وأبوبكر بن الأنباري: المعني فأتي اللَّه مكرهم من أصله، أي عاد ضرر المكر عليهم وبهم. وذكر الأساس مثلاً كما ذكر السقف، مع أنّه لا سقف ثمّ ولا أساس، وهذا الذي ذكره يليق بكلام العرب ويشبهه، والمعني أنّ اللَّه أتى بنيانهم من القواعد، أي قلعه من أصله، كقولهم: اُتي فلان من مأمنه، أي أتاه الهلاك من جهة مأمنه وأتاهم العذاب من جهة اللَّه.۳

1.الميزان في تفسير القرآن: ج ۱ ص ۷۲.

2.النحل: ۲۶.

3.التبيان في تفسير القرآن: ج ۶ ص ۳۷۴.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
332

التصدير

وهو إرجاع نهاية الكلام إلى أوّله ويسمّى «ردّ العجز على الصدر»، وإذا نظرنا من هذه الزاوية أدهشنا جمال هذه الآية:
« وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ».۱

مراعاة النظير

وهو من هذه الأساليب أيضاً، حيث نرى أنّه ضاعف من جمال الآية التالية:
« أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَ إِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ».۲

ولذلك فإنّ عنوان الإعجاز في «نظم الوقع الموسيقي» في القرآن - والذي اعتبره بعض باحثي العهود الأخيرة ولعلّ أبرزهم محمّد صادق الرافعي‏۳ - ليس بالموضوع الجديد الذي توصل إليه المتأخّرون، بل إنّ المتقدّمين من علماء اللغة المسلمين أدركوا عناصره وأبعاده على خير وجه أيضاً.

۱ - ۵ . التصوير

سبقت الإشارة إلى أنّ جمال موسيقى القرآن لها علاقة وثيقة بالمعاني، فالمتغيّرات الهجائية والصوتية لها ارتباط بالمتغيّرات المعنوية.

فالحركة والسكون، ومخارج الحروف، والمدّ والشدّ والغنّة، والفواصل والاختلافات الهندسية للألفاظ، والمسارات المنظمة لآليات ونغماتها الموسيقية، تتغيّر بما يتناسب مع سياق المعاني ومحتوى الكلام، إلّا أنّ عظمة القرآن لا تقتصر على ذلك؛ إذ تكمن - على حدّ تعبير العلّامة الطباطبائي وحسب نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني - في أنّ الألفاظ يجب أن تنظّم طبقاً للمعاني جزءًا بجزء

1.آل عمران: ۸.

2.الغاشية: ۱۷ - ۱۸.

3.إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: ص ۲۱۲ - ۲۲۰.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27380
صفحه از 616
پرینت  ارسال به