325
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

الألفاظ هو علامة التغيّر الذي يحدث في المعاني، وأنّ اللفظ والمعنى هما كالجسد والروح، بينهما رابطة تركيبية.

وتتألّف اللغة من وحدات هي كالتالي: الحروف، والأصوات، والهجاءات، والمفردات، والألفاظ، والمجموعات، والجمل.

واستناداً إلى نظرية النظم لدى عبدالقاهر، فإنّ تركيبة اللغة لا تتألّف من القوالب الجاهزة فقط مثل: الفعل، والفاعل، والمفعول به، والمسند إليه، والمسند، وأداة الربط، والقيد، والصفة، والفضلة، بل تتضمّن متغيّرات اُخرى أيضاً مثل: التقديم والتأخير، والحذف، والتكرار، والتعريف والتنكير، والإظهار والإضمار، والإيجاز والإطناب، والحقيقة والمجاز، والتشبيه والاستعارة، والكناية والإيهام، والحصر والإطلاق، والتأكيد وغير ذلك، حيث إنّ لكلّ منها بدوره جذوراً في المعاني. فاللغة بكنوزها اللامتناهية من العلامات تمثّل الذهن المشتمل على معاني كبيرة وظريفة ودقائق لا حصر لها يتمّ الإفصاح عنها باللسان، فالعبارات المتنوّعة تكشف عن معاني مختلفة، وكلّما أصبح الذهن أكثر توقّداً وتوهّجاً، أصبحت اللغة أكثر دقّة ورقة، والعكس صحيح.

واعتبر نموذج من الاُسلوب القرآني الخاصّ باسم «الفاصلة» بدلاً من «السجع»، وهي مصدر الأنغام الموسيقية الخاصّة التي يتميّز بها القرآن، وهذه الخصوصية يمثّل المعنى فيها الدور الأوّل، لا مجرّد الألفاظ، أي إنّ فواصل القرآن ليست مجرّد تناسق لفظي، بل إنّها تعكس فوق ذلك نظماً دلالياً خاصّاً في تضاعيف الفواصل والإيقاعات، وتتغيّر حسب المعاني، مع إنّ هذه الفواصل بسيطة وحرّة وفاقدة للتكلّف.۱

ويطلق السجع (صُوت الحمام المتناسق) على الكلام المقفّى، وهو في اصطلاح علم البديع أن يأتي المتكلّم بكلمات موزونة وذات وقع موسيقي. وللسجع في النثر حكم القافية في الشعر. وقد وضعت كلمة «الفاصلة» بشأن القرآن بدلاً من

1.الإتقان في علوم القرآن: النوع ۲۱۳؛ الإعجاز البياني: ص ۲۳۹.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
324

قد علمنا أنّ الإنسان إذا أغفل علم البلاغة وأخلّ بمعرفة الفصاحة، لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصّه اللَّه به من حسن التأليف وبراعة التركيب، وما شحنه به من الإيجاز البديع والاختصار اللطيف، وضمّنه من الحلاوة وجلّله من رونق الطلاوة، مع سهولة كلمه وجزالتها وعذوبتها وسلاستها، إلي‏غير ذلك من محاسنة التي عجز الخلق عنها وتحيّرت عقولهم فيها.۱

ولا يعتبر أبو بكر محمّد بن الطيّب الباقلّاني (ت‏۴۰۳ق) - المتكلّم الأشعري في أثره الضخم إعجاز القرآن - لغة القرآن أفضل من الكلام الفصيح للعرب فحسب، بل رآها مباينة ومغايرة لآلثار العربية البليغة الاُخرى، وخارج الاُسلوب والنظم المعهودين من حيث الماهية.۲

ويأتي من بعدهم دور عبدالقاهر الجرجاني (ت‏۴۷۴ق) المتكلّم الأشعري المعروف وأحد مؤسّسي البلاغة العربية وشرّاح الاُسلوب القرآني، فيرى - في أثريه القيّمين: أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز - أنّ ذروة الإعجاز البياني للقرآن ليست في المفردات والفواصل والأوزان والاستعارات وأنواع البديع الاُخرى، بل في نظمه اللفظي والدلالي المدهش.

ويرى عبدالقاهر أيضاً أنّ النظم أوسع بكثير من مواطن الجمال اللفظي، كما أنّ البلاغة والدقائق المعنوية للكلام هي محاور هذه الدائرة، وأنّ هنالك آصرة لا يمكن فصم عراها بين عنصري اللفظ والمعنى، وهنالك‏علاقة بين الذهن واللغة. ويستخدم الذهن علامات لغوية متناسبة؛ لتقديم المعاني المختلفة الكامنة فيه، واللغة هي الأداة بل علامة التفكير والدالّة عليه. وكلّ وحدة كلامية - مهما كانت جزئية وصغيرة - تدلّ على معنى خاصّ، وأقلّ تغيير في المعاني يعبّر عن نفسه بشكل مّا من خلال تبدّل الألفاظ والتركيبات اللغوية (الألفاظ)، وفي المقابل فإنّ كلّ تغيير طفيف في

1.كتاب الصناعتين الكتابة والشعر: ص ۹.

2.إعجاز القرآن: ص ۳۰۰.

تعداد بازدید : 28161
صفحه از 616
پرینت  ارسال به