323
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

وفي هذا العصر نفسه ألّف الجاحظ - الأديب والعالم المعتزلي - لأوّل مرّة كتاباً مستقلاًّ باسم نظم القرآن‏۱. كما يعد أبو سعيد عبد الملك الأصمعي (ت ۲۱۳ق) وأبو عبيد القاسم بن سلام (ت‏۲۲۳ق) من الأشخاص الذين درسوا في هذا العصر لغة القرآن الموسيقية. وتحدّث من بعدهما أبو العبّاس بن المعتزّ (ت‏۲۹۶ق) في كتاب البديع عن وزن الآيات وموسيقاها.

ويعتبر أبو الحسن عليّ بن عيسى الرمّاني (ت ۳۷۴ق) - اللغوي والنحوي والمتكلّم المعتزلي في رسالة النكت - عظمة القرآن وإعجازه في الألفاظ، و الاُسلوب والنظم والتأثير في القلوب، ويعتبر بلاغته في قمّة درجات الجمال، حيث قال:
مُعجِزٌ بِألفاظِهِ وَ اُسلوبِهِ وَ نَظمِهِ وَ أثَرِهِ فِى النُّفوسِ... فَأعلاها طَبَقةً فِى الحُسنِ بَلاغَةُ القُرآنِ... .۲

كما أكّد أبو سليمان أحمد بن محمّد بن إبراهيم الخطّابي البُستي (ت ۳۸۸ق) - أحد معاصري الرمّاني المحدّث والفقيه والشاعر النيسابوري - على النظم والانسجام اللفظيين الدلاليين للقرآن، ويرى أنّ القرآن هو أفضل الكلام في البلاغة والمتانة، والعذوبة والسلاسة، والهندسة والنظام، والترابط والهندام‏۳. ولغة القرآن - من وجهة نظره - بسيطة وسلسلة إلى جانب فخامتها وجزالتها ومتانتها، وفيها خصوصية نفسية مدهشة وفريدة من نوعها تهزّ القلوب بشدّة، وقد تثير الحيوية والبهجة أحياناً، والخوف والرعب أحياناً اُخرى.۴

ويذكر أبو هلال العسكري (ت‏۳۹۷ق) - ناقد الأدب العربي بعد الجاحظ في كتابه الصناعتين - الصياغة المنقطعة النظير للقرآن ويقول:

1.مذاهب التفسير الإسلامي: ص ۱۴۴.

2.ثلاث رسائل في إعجاز القرآن: ص ۷۵ - ۷۶.

3.ثلاث رسائل في إعجاز القرآن: ص ۲۵.

4.كتاب الصناعتين الكتابة والشعر: ص ۷.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
322

لا يقتصر محتواها على موضوع معيّن وعنصار معنوية محدودة، بل تضمّ في داخلها طيفاً من المعاني والموضوعات. وقد خضع العرب - منذ بدء تعرّفهم على القرآن - لتأثير أنغامه الموسيقية الساحرة، وقارنوها أحياناً مع شعر الشعراء والأنغام الساحرة للكهنة، وأقبلوا - بعد الاعتراف بصدق القرآن وقبول الإسلام - على قراءة نغمته السماوية وتجويدها - وحينئذٍ تعمّقوا إلى حدّ كبير في لغته الموزونة ومواطن جمالها.

وإذا ما غضضنا الطرف عن التفات أهل البيت عليهم السلام الخاصّ إلى الجمال الشامل للقرآن - والذي نما معه - فلعلّ آثاراً مثل: مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنّى (ت‏۲۰۹ق) ومعاني القرآن ليحيى أبي زكريا الفرّاء الديلمي (ت ۲۰۸ق)، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة أبي محمّد عبداللَّه (ت‏۲۷۶ق)، يمكن أن تعد من أولى الآثار الكلاسيكية التي اُلّفت في مجال دراسة الاسلوب الخاص بالقرآن.

ويؤكّد أبو عبيدة - بعد مقارنة تعابير القرآن اللطيفة ووجوه نظمه مع الأدب العربي المتداول - أن ليس بالإمكان العثور على نظير للقرآن. ويتحدّث الفراء عن تركيبه وإعرابه ويتناول استعاراته وتشبيهاته ومجازاته والتفاتاته، ويصبّ اهتمامه على الأنغام الساحرة لألفاظ القرآن ونظمه ووزنه وأثره العجيب في الإحساس الداخلي والضمير الكامن في نفس الإنسان. كما يؤكّد ابن قتيبة بدوره على النظم المتسلسل لألفاظه و سلاسته وحلاوته وبلاغته وتأثيره المدهش في قلوب البشر ويقول:
قطع منه بمعجز التأليف أطماع الكائدين، وأبانه بعجيب النظم عن حيل المتكلّفين، وجعله متلُوّاً لا يملّ على طول التلاوة، ومَسموعاً لا تمجّه الآذان وغضّاً لا يخلق على كثرة الردّ، وعجيباً لا تنقضى عجائبه ومفيداً لا تنقطع فوائده ونسخ به سالف الكتب وجمع الكثير من معانيه في القليل من لفظه.۱

1.تأويل مشكل القرآن: ص ۱۱.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 28334
صفحه از 616
پرینت  ارسال به