وفي هذا العصر نفسه ألّف الجاحظ - الأديب والعالم المعتزلي - لأوّل مرّة كتاباً مستقلاًّ باسم نظم القرآن۱. كما يعد أبو سعيد عبد الملك الأصمعي (ت ۲۱۳ق) وأبو عبيد القاسم بن سلام (ت۲۲۳ق) من الأشخاص الذين درسوا في هذا العصر لغة القرآن الموسيقية. وتحدّث من بعدهما أبو العبّاس بن المعتزّ (ت۲۹۶ق) في كتاب البديع عن وزن الآيات وموسيقاها.
ويعتبر أبو الحسن عليّ بن عيسى الرمّاني (ت ۳۷۴ق) - اللغوي والنحوي والمتكلّم المعتزلي في رسالة النكت - عظمة القرآن وإعجازه في الألفاظ، و الاُسلوب والنظم والتأثير في القلوب، ويعتبر بلاغته في قمّة درجات الجمال، حيث قال:
مُعجِزٌ بِألفاظِهِ وَ اُسلوبِهِ وَ نَظمِهِ وَ أثَرِهِ فِى النُّفوسِ... فَأعلاها طَبَقةً فِى الحُسنِ بَلاغَةُ القُرآنِ... .۲
كما أكّد أبو سليمان أحمد بن محمّد بن إبراهيم الخطّابي البُستي (ت ۳۸۸ق) - أحد معاصري الرمّاني المحدّث والفقيه والشاعر النيسابوري - على النظم والانسجام اللفظيين الدلاليين للقرآن، ويرى أنّ القرآن هو أفضل الكلام في البلاغة والمتانة، والعذوبة والسلاسة، والهندسة والنظام، والترابط والهندام۳. ولغة القرآن - من وجهة نظره - بسيطة وسلسلة إلى جانب فخامتها وجزالتها ومتانتها، وفيها خصوصية نفسية مدهشة وفريدة من نوعها تهزّ القلوب بشدّة، وقد تثير الحيوية والبهجة أحياناً، والخوف والرعب أحياناً اُخرى.۴
ويذكر أبو هلال العسكري (ت۳۹۷ق) - ناقد الأدب العربي بعد الجاحظ في كتابه الصناعتين - الصياغة المنقطعة النظير للقرآن ويقول: