321
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ».۱

وهذا الأمر هو ما يتملّص منه الإنسان، ويتجاهله وينساه ويغفل عنه ويختار العناد لتبرير فراره من المسؤولية.

ولذلك فإنّ القرآن يستعمل التأكيد في موضعه وحسب الحاجة، ويوجّه - بلغته الصارمة والقاصمة وضرباته المتلاحقة - الصدمات إلى جسمه الذي أخلد إلى الأرض، ويحثّه على الحركة.

تأمّلوا سورة العصر القصيرة وسرّ تأكيداتها المتلاحقة:
« وَ الْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواوَ عَمِلُوا الصَّالحِاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِ‏ّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ».۲

۱. القسم (والعصر)، ۲. إنّ، ۳. ألف ولام الجنس على الإنسان « إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ »، ۴. لام التأكيد، ۵. (في) للظرفية: لا يخسر الإنسان بل هو غارق في الخسران، ۶. استخدام النكرة «خُسر» خسران مبين، مهول للغاية، ۷. (لفي خسر) جاء خبر إنّ جملة اسمية لا فعلية؛ كي يحذر من ثبات الخسران واستمراره.

۱ - ۴. النظم والاُسلوب‏

يشهد مخاطبو القرآن والعارفون باللغة والأدب العربي حقيقة مهمّة، هي أنّ اُسلوب القرآن لا يطابق النثر الذي تعارف عليه العرب، كما أنّه ليس نظماً وشعراً. ومع كلّ ذلك ففي القرآن نوع من الموسيقى الجميلة تشبه القافية أو السجع: «لا يشبه شي‏ء من كلامه بكلام البشر»۳. «والمعجزة في نظمه...».۴

ويضمّ هذا الاُسلوب خصوصية اُخرى في داخله: فآيات القرآن وعباراته

1.الأنفال: ۲۴.

2.العصر: ۱ - ۳.

3.بحار الأنوار: ج ۸۹ ص ۱۰۷.

4.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ۱ ص ۱۳۷.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
320

إلّا أنّه لم يكتفِ بذلك؛ لأنّه لم يكن يريد أن ينتهي حواره، مع حبيبه الحقيقي، فمحضر المعشوق وعند العثور على الضالّة مقام الإطناب؛ ولذلك يروي القرآن على لسان موسى أنّه قال: « هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى ».

والتخريجات الجميلة التي تسمّى في الكتب الأدبية ب «حُسن التخلّص» و«الاستطراد» و«حسن الختام» هي من جملة مظاهر بلاغة القرآن:
« فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَ تَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الأَْرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى‏ حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ * يَبَنِى‏ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏ ذَلِكَ خَيْرٌ ».۱

والكلام في هذه الآيات عن حياة آدم وزوجه في الجنّة حتّى يوسوس لهما الشيطان... وإذا بآدم وزوجه يبدولهما عريهما، فيبادران إلى ستر أنفسهما بأوراق الشجر. وترد في هذه الآيات بعد ذلك إشارة في غاية التناسب إلى «نعمة اللباس والحلية الظاهرية»، ليتمّ الاستطراد بعد ذلك إلى «لباس التقوى والزينة الباطنية».

ومن الفروع الاُخرى للبلاغة القرآنية: اللغة الصارمة المقترنة ب «التأكيد»، فمع أنّ العادة جرت في البلاغة على اجتناب التأكيد في غير موضعه، وسرّ كلّ هذه الأقسام والتأكيدات المختلفة في القرآن هو أنّ هذا الكتاب يخبرنا عن الحقائق العليا للوجود التي تتجاوز الآفاق البشرية المحدودة والمحسوسة، ويدعو الإنسان إلى حياة سامية تتجاوز الحياة العادية، وأهداف أسمى من الرغبات الحقيرة:

1.الأعراف: ۲۲ - ۲۶.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27806
صفحه از 616
پرینت  ارسال به