«الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ».
ثمّ يجد عابد اللَّه نفسه - بعد ذلك - في حضور اللَّه الرحيم على إثر التوجّه إليه اللَّه وصفات كماله وربوبيته ورحمته الواسعة؛ ولذلك يتحوّل الكلام من الغائب إلى الحاضر (الالتفات من الغيبة إلى الحضور):
«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ».
وحينئذ يطلب منه - في مقام الحاجة - إنزال كلّ النعم عليه ودفع كلّ المساوئ:
«اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ ».
وفي هذا الطلب يؤدّي الكلام في غاية الدقّة، فعندما يدور الكلام في مدار إحسان اللَّه إلى الأطهار، يذكر الفعل بصيغة المعلوم وبالانتساب إلى اللَّه، ولكن عندما يدور الحديث حول الأشرار، فإنّه يصاغ بالصيغة المفعولية «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ » اسم الفاعل «الضَّالِّينَ » من دون النسبة إلى اللَّه؛ لأنّ النعم كلّها من اللَّه، والنقائص من الإنسان.۱
إنّ ما أشرنا إليه مجملاً ما هو إلّا نظرة خاطفة في القرآن الذي هو موطن الفصاحة والبلاغة، وبيان ذلك يحتاج إلي تفصيل كثير.
۱ - ۳. البلاغة والفصاحة
عرّفت البلاغة بأنّها:
تأدية المعني الجليل واضحاً بعبارة صحيحة فصيحة، لها في النفس أثر خلّاب، مع ملائمة كلّ كلام للموطن الذي يقال فيه، والأشخاص الذين يخاطبون.۲
ويتمتّع القرآن بهذه الخصوصية بنحو كامل؛ ولذلك فإنّه يزرع معانيه في أعماق أرواح المخاطبين، ويُخضع نفوسهم لتأثيره ليسيطر عليها.