تقومان على الأساس نفسه:
«وَ تَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ ».۱«وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ ».۲
وتدلّ كلّ واحدة من الآيتين على ميزة خاصّة للأرض، ففي سياق الآية الاُولى التي تتحدّث عن يوم القيامة وحشر الموتى وسكّان المقابر، تعدّ كلمة «هامدة» مناسبة للدلالة على مفهوم السكون والنوم. وتعدّ كلمة «خاشعة» في بناء الآية الثانية التي تتحدّث عن العبادة والخضوع والتواضع، مناسبة للدلالة على معنى التواضع والانقياد.
لاحظوا مضمون هاتين الآيتين:
«وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ».۳«وَ لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ ».۴
فالمخاطب في الآية الاُولى الاُناس الذين يعانون من الفقر؛ ولذلك فإنّهم يئدون بناتهم؛ لأنّه يقول: «من إملاق» أي من شدّة الفقر، فقدّم رزقهم على رزق أولادهم. وأمّا المخاطب في الآية الثانية فهم الاُناس القساة الذين يئدون بناتهم خوفاً من الفقر؛ لأنّه يقول: «خشية إملاق»، أي خوفاً من الفقر؛ فقدّم رزق البنات؛ لأنّ مخاطبي الآية الثانية لا يعانون الفقر حالياً، بل إنّهم يخشون الابتلاء بفقر البنات في المستقبل.
ولذلك فقد كان الباحثون القرآنيون المتعمّقون يرون منذ قديم الزمان أنّ كلّ كلمة وحرف في القرآن في موضعهما الخاصّ بهما، وأنّ كلّ تغيير جزئي في وضعهما وتركيبتهما يؤدّي إلى نوع من التغيير في المعنى، حتّى وإن كان في الظاهر