315
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

تقومان على الأساس نفسه:
«وَ تَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ ».۱«وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ ».۲

وتدلّ كلّ واحدة من الآيتين على ميزة خاصّة للأرض، ففي سياق الآية الاُولى التي تتحدّث عن يوم القيامة وحشر الموتى وسكّان المقابر، تعدّ كلمة «هامدة» مناسبة للدلالة على مفهوم السكون والنوم. وتعدّ كلمة «خاشعة» في بناء الآية الثانية التي تتحدّث عن العبادة والخضوع والتواضع، مناسبة للدلالة على معنى التواضع والانقياد.

لاحظوا مضمون هاتين الآيتين:
«وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ».۳«وَ لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ ».۴

فالمخاطب في الآية الاُولى الاُناس الذين يعانون من الفقر؛ ولذلك فإنّهم يئدون بناتهم؛ لأنّه يقول: «من إملاق» أي من شدّة الفقر، فقدّم رزقهم على رزق أولادهم. وأمّا المخاطب في الآية الثانية فهم الاُناس القساة الذين يئدون بناتهم خوفاً من الفقر؛ لأنّه يقول: «خشية إملاق»، أي خوفاً من الفقر؛ فقدّم رزق البنات؛ لأنّ مخاطبي الآية الثانية لا يعانون الفقر حالياً، بل إنّهم يخشون الابتلاء بفقر البنات في المستقبل.

ولذلك فقد كان الباحثون القرآنيون المتعمّقون يرون منذ قديم الزمان أنّ كلّ كلمة وحرف في القرآن في موضعهما الخاصّ بهما، وأنّ كلّ تغيير جزئي في وضعهما وتركيبتهما يؤدّي إلى نوع من التغيير في المعنى، حتّى وإن كان في الظاهر

1.الحجّ: ۵.

2.فصّلت: ۳۹.

3.الأنعام: ۱۵۱.

4.الإسراء: ۳۱.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
314

إعجاز القرآن‏۱، مع أنّ هذه الرؤية تواجه بعض الصعوبات.۲

۱ - ۲. الاختيار المناسب للألفاظ

لقد بلغ اختيار الحروف والكلمات والضمائر ونسب الأفعال وغير ذلك في القرآن من الدقّة بحيث إنّنا لا نستطيع وضع بدائل لها، فقد جاءت «الظلمات» التي تعكس لنا المصاديق والمظاهر المختلفة للضلال بصيغة الجمع، ولكنّ «النور» - الذي يرمز إلى الصراط المستقيم والهداية الإلهية - جاء بصيغة المفرد:
«اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ».۳

وتعكس جمل القرآن الأدبية اختلافات دقيقة أدّت إلى دهشة العارفين بالكلام وانبهارهم، مثل هذه الآية الجميلة والظريفة:
«وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى‏ هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ ».۴

وكما نلاحظ فإنّ الهداية في الآية المشار إليها جاءت مع حرف الجرّ «على» والضلالة بحرف الجرّ «في» لإفادة معنى الظرفية والهبوط والعجز؛ وعليه فإنّ ذاك مناسب للهداية، وهذا مناسب للضلالة.

وعلى حدّ تعبير الزمخشري: فإنّ الإنسان المهدي يبدو وكأنّه امتطى صهوة جواد سريع فهو يتوجّه أنّى يريد، وأمّا الشخص الضالّ فقد انغمس في ورطة ظلام عميق فهو لا يدري أين يذهب.۵

وهنالك صفتان مختلفتان ذكرتا في هاتين الآيتين المتّحدتين في المضمون

1.معجزة القرآن: ص ۵۵ - ۱۶۸.

2.تسعة عشر ملكاً: ص ۱۱ - ۱۷۵؛ دائرة المعارف قرآن كريم، ج ۳ ص ۵۸۲ - ۵۹۰، «مدخل الإعجاز العددي».

3.البقرة: ۲۵۷.

4.سبأ: ۲۴.

5.الكشّاف: ج ۳ ص ۵۸۲.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27284
صفحه از 616
پرینت  ارسال به