بالنسبة إلى بنية الكلام، فإذا تمتّعت الحروف والألفاظ - التي تشكّل نواة الكلام - بالصلابة والمتانة، واختيرت ورُكّبت عند تشكيل الكلمات وتركيب الجمل بشكل ذكي ومتناسب ومتناسق، فإنّها توجد كلاماً فصيحاً وبليغاً وبديعاً.
وللحروف خصوصيّات مختلفة من حيث المخارج والصوت والتلّفظ؛ وعلى هذا الأساس تنقسم إلى مجاميع مختلفة۱. وجاءت دقائق خواصّ الحروف في كتب التجويد والقراءة التي هي من مصادر الدراسات الصوتية عند المسلمين، وكذلك في الآثار الأدبية لبعض العلماء، مثل: سيبويه (ت ۱۷۷ق)، وابن دريد (ت ۳۲۱ق)، والرمّاني (ت ۳۷۴ق)، والباقلاني (ت ۴۰۳ق)، والخفاجي (ت ۱۰۶۹ق)، البيضاوي (ت ۶۸۵ق)، ابن الجزري (ت ۸۳۳ ق) وغيرهم.
والوقع الموسيقي لبعض كلمات القرآن وجمله من الناحية اللغوية، هو كهدير الشلّالات ونسيم الربيع، ساحر يشيع السكينة والاطمئنان في القلوب.
إنّ طراوة الألفاظ، وتناسب الحروف، وسلاسة التركيب، وانسجام الكلمات، وسيولة العبارات تجعل لها وقعاً في النفوس كقوع فرير الماءبين الأشجار في الأرض الخضراء.
ولأن خصوصيّات الحروف لها تأثير خاصّ في الوقع الموسيقي للكلام وتؤدّي إلى عذوبة الصوت أو سآمته، فيجب أن تبذل أقصى الدقّة في تركيب الحروف وأن تؤخذ خصوصيّات كلّ منها بنظر الاعتبار كي يكون أداء الألفاظ سلساً وبعيداً عن الثقل والاشمئزاز.
والقرآن الذي يتجلّى فيه علم اللَّه العليم بالأسرار والمحيط بها كلّها - «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا »۲ التزم بهذه الخصوصيّات والدقائق بنحو كامل ووضع في كلّ زاوية من كلماته وتركيباته حرفاً ولفظاً مناسبين.