313
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

فمثلاً: تستعمل الكلمتان «نعم» و«بلى» للإجابة عن السؤال بشكل إيجابي إلّا أنّ لكلّ منهما موقعاً خاصّاً، ف «بلى» تستعمل عندما يقترن السؤال بهمزة الاستفهام ويقترن بمضمون قابل للنفي، نظير:
«أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى‏ ».۱

وأمّا «نعم» فتستعمل عندما يقترن السؤال بهل الاستفهامية:
«... فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ ».۲

وتتناسق في القرآن أطول كلماته وجمله مع الحروف المتوالية:
«فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ »۳، «لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ »۴، «وَ عَلَى‏ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ »۵ حيث تتجانس ولا تتنافر ولا يهرب بعضها من بعض.

فتركيبة هذه الحديقة، ونظم حروفها، وسجع كلماتها، وانتظام جملها بنحو من اللطافة والعذوبة جعلها في منتهي العظمة والجمال بلحاظ علم الأصوات (فونتيك)، وأنّ أمواج الجمال تعلو آية آية منه.

يقول الزمخشري في ذيل الآية:
«وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ ».۶

«إن» نافية بمعنى «ما» واختيرت بدلاً منها، وهذا الاختيار يُظهر عظمة من الجمال‏۷. هذه الدقائق هي التي دفعت - على الأرجح - بعض الباحثين المعاصرين إلى أن يعتبروا النظم الرياضي والإعجاز العددي لحروف القرآن وكلماته من وجوه

1.الأعراف: ۱۷۲.

2.الأعراف: ۴۴.

3.البقرة: ۱۳۷.

4.النور: ۵۵.

5.هود: ۴۸.

6.الأحقاف: ۲۶.

7.الكشّاف: ص ۵۲۵.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
312

بالنسبة إلى بنية الكلام، فإذا تمتّعت الحروف والألفاظ - التي تشكّل نواة الكلام - بالصلابة والمتانة، واختيرت ورُكّبت عند تشكيل الكلمات وتركيب الجمل بشكل ذكي ومتناسب ومتناسق، فإنّها توجد كلاماً فصيحاً وبليغاً وبديعاً.

وللحروف خصوصيّات مختلفة من حيث المخارج والصوت والتلّفظ؛ وعلى هذا الأساس تنقسم إلى مجاميع مختلفة۱. وجاءت دقائق خواصّ الحروف في كتب التجويد والقراءة التي هي من مصادر الدراسات الصوتية عند المسلمين، وكذلك في الآثار الأدبية لبعض العلماء، مثل: سيبويه (ت ۱۷۷ق)، وابن دريد (ت ۳۲۱ق)، والرمّاني (ت ۳۷۴ق)، والباقلاني (ت ۴۰۳ق)، والخفاجي (ت ۱۰۶۹ق)، البيضاوي (ت ۶۸۵ق)، ابن الجزري (ت ۸۳۳ ق) وغيرهم.

والوقع الموسيقي لبعض كلمات القرآن وجمله من الناحية اللغوية، هو كهدير الشلّالات ونسيم الربيع، ساحر يشيع السكينة والاطمئنان في القلوب.

إنّ طراوة الألفاظ، وتناسب الحروف، وسلاسة التركيب، وانسجام الكلمات، وسيولة العبارات تجعل لها وقعاً في النفوس كقوع فرير الماءبين الأشجار في الأرض الخضراء.

ولأن خصوصيّات الحروف لها تأثير خاصّ في الوقع الموسيقي للكلام وتؤدّي إلى عذوبة الصوت أو سآمته، فيجب أن تبذل أقصى الدقّة في تركيب الحروف وأن تؤخذ خصوصيّات كلّ منها بنظر الاعتبار كي يكون أداء الألفاظ سلساً وبعيداً عن الثقل والاشمئزاز.

والقرآن الذي يتجلّى فيه علم اللَّه العليم بالأسرار والمحيط بها كلّها - «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا »۲ التزم بهذه الخصوصيّات والدقائق بنحو كامل ووضع في كلّ زاوية من كلماته وتركيباته حرفاً ولفظاً مناسبين.

1.راجع: النبأ العظيم: ص ۹۰ - ۹۴.

2.مريم: ۶۴.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27670
صفحه از 616
پرینت  ارسال به