311
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

«وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ».۱

ولم يكن جمال لغة القرآن وقدرتها على تسخير القلوب خاصّاً بالعصور القديمة، بل ما زالت تبهر اليوم أيضاً أفضل اُدباء العرب، مثل: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، وجورج جرداق. يقول جولد تسهير:
ما من أثر أدبي في العالم يبلغ شأو القرآن في الدهشة والإعجاب المنقطعي النظير اللذين أثارهما.۲

وكتب جان ديون بورت قائلاً:
يعدّ القرآن من الناحية الأدبية أكثر آثار الشرق شاعرية، حيث يضمّ نثراً موزوناً، ومسجّعاً بأبلغ الأشكال وأكثرها فصاحة في اللغة العربية، والنموذج الأعلى في هذه اللغة حيث يحفل بأجمل الأمثال وأكثر التشبيهات إحكاماً، وهو يصوّر ملكوت اللَّه بآياته ذات الوقع الموسيقي الساحر، وموسيقاه وعباراته في رسم صورة الجنّة والنار تهزّ القلوب ....۳

ويقول سيّد قطب:
وأن تبرز فيه الناحية الفنية، وتستخلص خصائصه الأدبية، وتنبه المشاعر إلى مكامن الجمال فيه. وذلك هو عملى الأساسى «مكتبة القرآن»... وفى اعتقادي أن العرب الأولين قد تلقّوا الجمال الفنى فى القرآن هذا التلقى، فتعمق فى إحساسهم وهز نفسوسهم.۴

۱ - ۱. محسّنات صورة القرآن‏

إنّ كلّ بناء محكم ومنيع وجميل هو حصيلة مواد إنشائية صلبة ومحكمة، وتصميم هندسي ذكي لمهندس ماهر، ركّبها في أنسب الأشكال والصور. وهكذا الحال

1.فصلت: ۲۶.

2.العقيدة والشريعة في الإسلام: ص ۴۱.

3.عذر تقصير به پيشگاه محمد و قرآن: ص ۹۱؛ اسلام از ديدگاه دانشمندان غرب: ص ۴۲.

4.مشاهد القيامة في القرآن: ص ۱۰.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
310

للاعتراف بأنّ هذا الكلام لا مثيل له بين كلام البشر:
فَوَاللَّهِ ما هُوَ بِشِعرٍ وَ لا بِسِحرٍ و لا بِهَذّى جُنُونٍ، و اِنّ قَولَهُ مِن كَلامِ اللَّهِ... إنَّ لَهُ لَحَلاوَةً و إنَّ عَلَيهِ لَطَلاوَةً و إنَّ اَعلاهُ لَمُثمِرٌ و إنَّ أسفَلهُ لَمُغدِقٌ و إنَّه يَعلو و لا يُعْلى عَلَيهِ .۱

وقد أثار هذا الكلام غضب المشركين فاضطرّ أن يقول شيئاً في ذمّ القرآن؛ ولذلك نزلت هذه الآية بشأنه:
«ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ».۲

وقد جاء عتبة بن ربيعة إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، وكان من وجهاء قريش، كي يحثّه على أن يكفّ عن ادّعائه النبوّة، فقرأ النبيّ صلى اللّه عليه و آله عليه الآيات الاُولى من سورة فصّلت. وعندما عاد من مجلس النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، قال:
واللَّه، ما سمعت مثله قطّ. واللَّه، ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فواللَّه، ليكونَنّ لقوله الّذي سمعت منه نبأ عظيم.۳

وكانت مواطن الجمال في القرآن محيّرة وشاملة إلى درجة أرغمت أبرز أعداء القرآن - مثل الوليد بن مغيرة والأخنس بن شريق وعمرو بن هشام - على استراق السمع إليه ليلاً!۴وجاءت في القرآن إشارات عابرة إلى تصرّفهم هذا:
«نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوَى‏ ».۵

وكانوا في الوقت نفسه يحذّرون الناس من الاستماع إليه، كي يحولوا دون تأثيراته السحرية فيهم:

1.تفسير الطبري: ج ۲۹ ص ۱۹۵؛ المحرر الوجيز: ج ۵ ص ۳۹۵؛ قصص الأنبياء: ص ۳۱۷ - ۳۱۸. وقد نقلت أكثر الكتب التاريخية هذا الكلام عن الوليد بن مغيرة، إلا أن بعضهم كما أسلفنا نسبوه إلى خالد بن عتبة. ومن الممكن أنه كرّر كلام الوليد (راجع: الاستيعاب: ج ۲ ص ۴۳۳، أسد الغابة: ج ۲ ص ۹۰؛ الإصابة: ج ۲ ص ۲۱۰).

2.المدثر: ۲۳ - ۲۴.

3.السيرة النبوية لابن هشام: ج ۱ ص ۱۸۹ - ۱۹۰.

4.السيرة النبوية لابن هشام: ج ۲ ص ۳۳۸؛ مجمع البيان: ج ۶ ص ۲۵۶.

5.الإسراء: ۴۷.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27814
صفحه از 616
پرینت  ارسال به