309
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

هذا بَشرٌ .۱

تزامن نزول القرآن مع أكثر عصور العرب الأدبية ازدهاراً، فقد بلغت اللغة العربية الذروة في الفصاحة والبلاغة حدّاً بحيث كان اُدباء العرب وشعراؤهم يستعرضون في الأشهر الحرم في سوق عكاظ أبرز روائعهم الأدبية والثقافية، ويختار نقّاد الأدب من بينها أفضل النماذج، وتعلق تلك المختارات على جدار الكعبة وتعدّ مفخرة لمبدعيها، فكانت القصائد السبع المعروفة ب«المعلّقات السبع» - ل : امرئ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، ولبيد بن ربيعة وعمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد والحارث بن حلّزة -۲ تمثّل الأشعار التي لم يكن أفضل منها في أدب العرب وفنّهم. وعندما نزل القرآن وبلغ مسامع فحول الشعراء ونقّاد الشعر، أخذ بمجامع قلوبهم بروعة بيانه، وأخمدت إشراقته شعلة أوساطهم الأدبية.۳

وعندما تعرّف لبيد - الذي كان أحد ناظمي القصائد السبع - على القرآن المنزل على نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه و آله ، تأثّر به بشّدة إلى درجة أسكتته عن قول الشعر، فكان يمضي أوقاته في تلاوة القرآن باستمرار. وعندما۴ سأله عمر أيّام خلافته عن شعره واستنشده فقرأ سورة البقرة، فقال: إنّما سألتك عن شعرك، فقال: ما كنت لأقول بيتاً من الشعر بعد إذ علّمني اللَّه البقرة وآل عمران، فأعجب عمر قوله، وكان عطاؤه ألفين فزاده خمسمئة. وقد قال كثير من أهل الأخبار: إنّ لبيداً لم يقل شعرا منذ أسلم، وقال بعضهم: لم يقل في الإسلام إلّا قوله:

الحمد للَّه إذ لم يأتني أجليحتى اكتسيت من الإسلام سربالاً.

وعندما سمع الوليد بن مغيرة المخزومي - أمير الكلام بين المشركين - الكلام القرآني المنعش للأرواح، اضطرّ رغم كلّ حقده على النبيّ صلى اللّه عليه و آله ورسالته وعدائه له،

1.راجع: ص ۲۵۱ ح ۲۴۶.

2.تاريخ ابن خلدون: ج ۱ ص ۵۸۰؛ الذريعة: ج ۱۳ ص ۳۹۲؛ معجم المطبوعات: ج ۱ ص ۱۱۲۷.

3.مناهل العرفان: ج ۲ ص ۲۳۶.

4.الطبقات الكبرى: ج ۶ ص ۳۳؛ تفسير القرطبي: ج ۱ ص ۱۵۳.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
308

هذا الموضوع في بعد خاصّ، وأوكل معرفة هذه الأبعاد إلى فكر البشر. والحقّ أنّنا لا نستطيع أن نحدّد إعجاز القرآن بجهة خاصّة.

ومع كلّ ذلك يمكن اعتبار إعجاز القرآن ذا خصوصية حسّية ومعنوية؛ لأنّه يستهدف فكر الإنسان من جهة، وقلبه وحسّه من جهة اُخرى؛ ولذلك فإنّه ينبّه كلاًّ من الحسّين الداخلي والخارجي، وبالطبع فإنّ كلّ واحد من هذين المحورين يمكن أن يضمّ عناوين كثيرة.

۱. الإعجاز في الهندسة البنيوية للقرآن‏

يمثّل القرآن مظهراً من جمال منقطع النظير للَّه الحميد۱، وهو مشحون. المعاني السامية، وبمواطن الحسن والجذّابية اللامحدودة ممّا يدخل البهجة والحيوية على قلوب مخاطبية ونفوسهم.

وبشهادة التاريخ واعتراف أهل اللغة المؤالف منهم والمخالف، فإنّ نصّ القرآن لا مثيل له في السلاسة والبلاغة، فالهندسة المؤلّفة لكلماته واُسلوبه الخاصّ والبديع لم ولن يظهر مثلهما قبله ولا بعده.

إنّ اللغة الناطقة بالحقيقة، والأنغام الساحرة، والبشارات المطمئنة للقلوب، والتحذيرات المنبّهة للنفوس، كلّ ذلك جعل من القرآن آية باهرة وقف أمامها اُمراء البلاغة والفصاحة مبهورين ليهتفوا قائلين:
... إنّ القرآن ليس نثراً، كما أنه ليس شعراً، إنّما هو قرآن، ولا يمكن أن يسمّى بغير هذا الاسم.۲

وقد اعترف خالد بن عقبة الاُموي بعد أن طلب من النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه و آله قراءة القرآن مرّتين، وبعد أن أصغى سمعه للآية «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسَانِ »۳، فإنّه قال:
وَاللَّهِ إنّ لَهُ لَحَلاوَةً، و إنّ عليهِ لَطَلاوَةً، و إنّ أوَّلَهُ لَمُغدِقٌ، و إنّ آخِرَهُ لَمُثمِرٌ، و ما يقولُ

1.الأعراف: ۱۸۰.

2.مرآة الإسلام، طه حسين: ص ۱۲۵ فما بعدها.

3.النحل: ۹۰.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27663
صفحه از 616
پرینت  ارسال به