307
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

في كونه وحياً إلهياً ! و هذه الحقيقة هي ما يعبّر عنها المتكلّمون المسلمون ب«التحدّي‏۱»۲ :
«أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَدِقِينَ ».۳

وكذلك:
«أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ ».۴«قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَبٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى‏ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ ».۵

وجاء في نقل عن الإمام الرضا عليه السلام : أنّ اللَّه تبارك وتعالى أرسل القرآن بهذه الحروف التي يستخدمها العرب جمعيهم، ثمّ قال:
«قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَ الْجِنُّ عَلَى‏ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ».۶

كما يتّضح من آيات التحدّي أنّ القرآن معجزة فكرية وثقافية لا ترتبط بحضور النبيّ صلى اللّه عليه و آله نفسه، بل إنّ الوجود الثابت والدائم لهذا الكتاب بين البشر هو الذي يدلّ على أحقّيته.

مظاهر إعجاز القرآن‏

من الملاحظات التي تستحقّ التأمّل أنّ القرآن نفسه - سوى التذكير بالعنوان الكلّي لعدم تهافت نصّ القرآن - لم يصرّح بأمر الإعجاز بجهة خاصّة، ويبدو أنّه لم يحدّد

1.راجع: ص ۲۴۹ (تحدي القرآن).

2.المغني في أبواب التوحيد والعدل:ج ۱۶ ص ۲۳۶.

3.الطور: ۳۳ - ۳۴.

4.هود: ۱۳ - ۱۴.

5.القصص: ۴۹.

6.راجع: ص ۲۵۱ ح ۲۴۴.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
306

نجده عاجزاً.۱

ويمكن القول استناداً إلى معاجم اللغة واستعمالات هذه الكلمة: إنّ المفهوم الأصلي في مادّة هذه الكلمة هو شي‏ء في مقابل القدرة، وكلتا الكلمتين «المعجز» و«المعجزة» اسم فاعل مفرد بمعنى المعجز، وجمعها معجزات:
«وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللَّهِ ».۲

والمعجزة في اصطلاح علم الكلام: هو العمل الخارق للعادة والمقترن بالتحدّي والسليم من المعارضة، وهو ما يظهره اللَّه على يد نبيّه كي يكون آية على رسالته.۳

القرآن: الآية الإلهية

يعتبر القرآن نفسه الآية البالغة والمعجزة البيّنة لخاتم الأنبياء صلى اللّه عليه و آله :
«وَقَالُواْ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْأَيَتُ عِندَ اللَّهِ وَ إِنَّمَآ أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَبَ يُتْلَى‏ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَرَحْمَةً وَ ذِكْرَى‏ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ».۴

وتدلّ هذه الآية بصراحة على أنّ القرآن الكريم كافٍ من حيث كونه معجزة، بل هو في الحدّ الأعلى من درجة الإعجاز ؛ لأنّ اللَّه اعتبره المغني عن كلّ المعاجز. و«الكفاية» في الآية السابقة تعني بلوغ مرتبة لا تبقى معها حاجة إلى غيرها.۵

ولم يكتفِ القرآن بهذا المستوى، بل طلب من كلّ البشر على مرّ التاريخ أن يكرّسوا كلّ طاقاتهم الفكرية والمعنوية والماديّة كي يأتوا بمثله، إن كانوا يشكّون

1.مفردات ألفاظ القرآن: ص ۵۴۷ مادة «عجز».

2.التوبة: ۲.

3.راجع: شرح المصطلاحات الكلامية، فريق من الكتّاب، ص ۳۳۴.

4.العنكبوت: ۵۰ - ۵۱.

5.مجمع البيان: ج ۸ ص ۳۵.

تعداد بازدید : 27991
صفحه از 616
پرینت  ارسال به