فَلَم يُؤتَ مُسَيلِمَةُ بِصَبِيٍّ فَحَنَّكَهُ ومَسَحَ رَأسَهُ إلّا قَرِعَ ولَثِغَ ، وَاستَبانَ ذلِكَ بَعدَ مَهلَكِهِ .
وقالوا : تَتَبَّع حيطانَهُم كَما كانَ مُحَمَّدٌ صلى اللّه عليه و آله يَصنَعُ فَصَلِّ فيها .
فَدَخَلَ حائِطاً مِن حَوائِطِ اليَمامَةِ فَتَوَضَّأَ ، فَقالَ نَهارٌ لِصاحِبِ الحائِطِ : ما يَمنَعُكَ مِن وَضوءِ الرَّحمنِ فَتَسقِيَ به حائِطَكَ حَتّى يَروى ويَبتَلَّ كَما صَنَعَ بَنُو المهرِيَّةِ أهلُ بَيتٍ مِن بني حَنيفَةَ - وكانَ رَجُلٌ مِنَ المهرِيَّةِ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى اللّه عليه و آله فَأَخَذَ وَضوءَهُ فَنَقَلَهُ مَعَهُ إلَى اليَمامَةِ فَأَفرَغَهُ في بِئرِهِ ، ثُمَّ نَزَعَ وسَقى وكانَت أرضُهُ تَهومُ فَرَوِيَت وجَزَأَت فَلَم تُلفَ إلّا خَضراءُ مُهتَزَّةٌ - فَفَعَلَ فَعادَت يَباباً لا يَنبُتُ مَرعاها .
وأتاهُ رَجُلٌ فَقالَ : اُدعُ اللَّهَ لِأَرضي فَإِنَّها مُسبَخَةٌ ، كَما دَعا مُحَمَّدٌ صلى اللّه عليه و آله لِسُلَمِيٍّ عَلى أرضِهِ . فَقالَ : ما يَقولُ يا نَهارُ ؟ فَقالَ : قَدِمَ عَلَيهِ سُلَمِىٍّ وكانَت أرضُهُ سَبخَةً فَدَعا لَهُ وأعطاهُ سَجلاً مِن ماءٍ ومَجَّ لَهُ فيهِ ، فَأَفرَغَهُ في بِئرِهِ ثُمَّ نَزَعَ فَطابَت وعَذُبَت . فَفَعَلَ مِثلَ ذلِكَ فَانطَلَقَ الرَّجُلُ فَفَعَلَ بِالسَّجلِ كَما فَعَلَ سُلَمِيٌّ ، فَغَرِقَت أرضُهُ فَما جَفَّ ثَراها ولا أدرَكَ ثَمَرُها.
وأتَتهُ امرأَةٌ فَاستَجلَبَتهُ إلى نَخلٍ لَها يَدعو لَها فيها ، فَجَزَّت كَبائِسَها۱ يَومَ عَقرَباءَ كُلَّها ، وكانوا قَد عَلِموا وَاستَبانَ لَهُم ؛ ولكِنَّ الشَّقاءَ غَلَبَ عَلَيهِم .۲
۳۱۲. إعجاز القرآن : أمّا كَلامُ «مُسَيلِمَةَ» الكَذّابِ ، وما زَعَمَ أنَّهُ قُرآنٌ ، فَهُوَ أخَسُّ مِن أن نَشتَغِلَ بِهِ ، وأسخَفُ مِن أن نُفَكِّرَ فيهِ. وإنَّما نَقَلنا مِنهُ طَرَفاً لِيَتَعَجَّبَ القارِئُ ، ولِيَتَبَصَّرَ النّاظِرُ ، فَإِنَّهُ عَلى سَخافَتِهِ قَد أضَلَّ ، وعَلى رَكاكَتِهِ قَد أزَلَّ ، وَمَيدَانُ الجَهلِ واسِعٌ! ومَن نَظَرَ فيما نَقَلناهُ عَنهُ ، وفَهِمَ مَوضِعَ جَهلِهِ ، كانَ جَديراً أن يَحمَدَ اللَّهَ عَلى ما رَزَقَهُ مِن فَهمٍ ، وآتاهُ مِن عِلمٍ .
فَمِمّا كانَ يَزعُمُ أنَّهُ نَزَلَ عَلَيهِ مِنَ السَّماءِ : «واللّيل الأطخَمِ ، والذّئبِ الأدلَم ،