الأبيض ، إنّه لعجب محضٌ ، وقد حرّم المذق فما لكم لا تمجّعون .
وكانَ يَقولُ : يا ضِفدِع ابنة ضِفدِع ، نقّي ما تنقّين ، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين ، لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدّرين .
وكانَ يَقولُ : والمبذّراتِ زَرعاً ، والحاصداتِ حَصداً ، والذّارياتِ قَمحاً ، والطّاحناتِ طَحناً ، والخابزاتِ خَبزاً ، والثّارداتِ ثرَداً ، واللاّقمات لَقماً ، إهالةً وسَمناً ، لقد فُضّلتم على أهل الوَبَرِ ، وما سَبَقَكم أهل المَدَرِ ، ريفَكم فامنعوه ، والمعترَّ فآووه ، والباغي فناوئوه .
قالَ : وأتَتهُ امرَأَةٌ مِن بَني حَنيفَةَ تُكَنّى بِاُمِّ الهَيثَمِ فَقالَت : إنَّ نَخلَنا لَسُحُقٌ۱ ، وإنَّ آبارَنا لَجُرُزٌ ، فَادعُ اللَّهَ لِمائِنا ولِنَخلِنا كَما دَعا مُحَمَّدٌ لِأَهلِ هَزمانَ .
فَقالَ : يا نَهارُ ، ما تَقولُ هذِهِ ؟ فَقالَ : إنَّ أهلَ هَزمانَ أتَوا مُحَمَّداً صلى اللّه عليه و آله فَشَكَوا بُعدَ مائِهِم - وكانَت آبارُهُم جُرُزاً - ونَخلُهُم إنَّها سُحُقٌ ، فَدَعا لَهُم فَجاشَت آبارُهُم ، وَانحَنَت كُلُّ نَخلَةٍ قَدِ انتَهَت حَتّى وَضَعَت جِرانَها لِانتِهائِها ، فَحَكَّت بِهِ الأَرضُ حَتّى أنشَبَت عُروقاً ثُمَّ قُطِعَت مِن دونِ ذلِكَ ، فَعادَت فَسيلا مُكَمَّماً يَنمي صاعِداً .
قالَ : وكَيفَ صَنَعَ بِالآبارِ ؟ قالَ : دَعا بِسَجلٍ فَدَعا لَهُم فيهِ ، ثُمَّ تَمَضمَضَ بِفَمِهِ مِنهُ ثُمَّ مَجَّهُ فيهِ ، فَانطَلَقوا بِهِ حَتّى فَرَّغوهُ في تِلكَ الآبارِ ، ثُمَّ سَقَوهُ نَخلَهُم . فَفَعَلَ المنتهى ما حَدَّثتُكَ وبَقِيَ الآخِرُ إلَى انتِهائِهِ .
فَدَعا مُسَيلِمَةُ بِدَلوٍ مِن ماءٍ فَدَعا لَهُم فيِه ، ثُمَّ تَمَضمَضَ مِنهُ ، ثُمَّ مَجَّ فيهِ ، فَنَقَلوهُ فَأَفرَغوهُ في آبارِهِم فَغارَت مِياهُ تِلكَ الآبارِ ، وخَوى نَخلُهُم وإنَّمَا استَبانَ ذلِكَ بَعدَ مَهلَكِهِ .
وقالَ لَهُ نَهارٌ : بَرِّك عَلى مَولودِي بَني حَنيفَةَ ، فَقالَ لَهُ : ومَا التَّبريكُ ؟ قالَ : كانَ أهلُ الحِجازِ إذا وُلِدَ فيهِمُ المَولودُ أتَوا بِهِ مُحَمَّداً صلى اللّه عليه و آله فَحَنَّكَهُ ومَسَحَ رَأسَهُ .