301
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

الأبيض ، إنّه لعجب محضٌ ، وقد حرّم المذق فما لكم لا تمجّعون .
وكانَ يَقولُ : يا ضِفدِع ابنة ضِفدِع ، نقّي ما تنقّين ، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين ، لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدّرين .
وكانَ يَقولُ : والمبذّراتِ زَرعاً ، والحاصداتِ حَصداً ، والذّارياتِ قَمحاً ، والطّاحناتِ طَحناً ، والخابزاتِ خَبزاً ، والثّارداتِ ثرَداً ، واللاّقمات لَقماً ، إهالةً وسَمناً ، لقد فُضّلتم على أهل الوَبَرِ ، وما سَبَقَكم أهل المَدَرِ ، ريفَكم فامنعوه ، والمعترَّ فآووه ، والباغي فناوئوه .
قالَ : وأتَتهُ امرَأَةٌ مِن بَني حَنيفَةَ تُكَنّى‏ بِاُمِّ الهَيثَمِ فَقالَت : إنَّ نَخلَنا لَسُحُقٌ‏۱ ، وإنَّ آبارَنا لَجُرُزٌ ، فَادعُ اللَّهَ لِمائِنا ولِنَخلِنا كَما دَعا مُحَمَّدٌ لِأَهلِ هَزمانَ .
فَقالَ : يا نَهارُ ، ما تَقولُ هذِهِ ؟ فَقالَ : إنَّ أهلَ هَزمانَ أتَوا مُحَمَّداً صلى اللّه عليه و آله فَشَكَوا بُعدَ مائِهِم - وكانَت آبارُهُم جُرُزاً - ونَخلُهُم إنَّها سُحُقٌ ، فَدَعا لَهُم فَجاشَت آبارُهُم ، وَانحَنَت كُلُّ نَخلَةٍ قَدِ انتَهَت حَتّى‏ وَضَعَت جِرانَها لِانتِهائِها ، فَحَكَّت بِهِ الأَرضُ حَتّى‏ أنشَبَت عُروقاً ثُمَّ قُطِعَت مِن دونِ ذلِكَ ، فَعادَت فَسيلا مُكَمَّماً يَنمي صاعِداً .
قالَ : وكَيفَ صَنَعَ بِالآبارِ ؟ قالَ : دَعا بِسَجلٍ فَدَعا لَهُم فيهِ ، ثُمَّ تَمَضمَضَ بِفَمِهِ مِنهُ ثُمَّ مَجَّهُ فيهِ ، فَانطَلَقوا بِهِ حَتّى‏ فَرَّغوهُ في تِلكَ الآبارِ ، ثُمَّ سَقَوهُ نَخلَهُم . فَفَعَلَ المنتهى ما حَدَّثتُكَ وبَقِيَ الآخِرُ إلَى انتِهائِهِ .
فَدَعا مُسَيلِمَةُ بِدَلوٍ مِن ماءٍ فَدَعا لَهُم فيِه ، ثُمَّ تَمَضمَضَ مِنهُ ، ثُمَّ مَجَّ فيهِ ، فَنَقَلوهُ فَأَفرَغوهُ في آبارِهِم فَغارَت مِياهُ تِلكَ الآبارِ ، وخَوى‏ نَخلُهُم وإنَّمَا استَبانَ ذلِكَ بَعدَ مَهلَكِهِ .
وقالَ لَهُ نَهارٌ : بَرِّك عَلى‏ مَولودِي بَني حَنيفَةَ ، فَقالَ لَهُ : ومَا التَّبريكُ ؟ قالَ : كانَ أهلُ الحِجازِ إذا وُلِدَ فيهِمُ المَولودُ أتَوا بِهِ مُحَمَّداً صلى اللّه عليه و آله فَحَنَّكَهُ ومَسَحَ رَأسَهُ .

1.السَّحَوق من النخل : الطويلة ، وكذلك السّمحُوق والميم زائدة والجمع سُحُق ( الصحاح : ج ۴ ص ۱۴۹۵ «سحق») .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
300

اليَمامَةِ ، ولِيَشغَبَ عَلى‏ مُسَيلِمَةَ ولِيُشَدِّدَ مِن أمرِ المُسلِمينَ ، فَكانَ أعظَمَ فِتنَةً عَلى‏ بَني حَنيفَةَ مِن مُسَيلِمَةَ ، شَهِدَ لَهُ أنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّداً صلى اللّه عليه و آله يَقولُ : إنَّهُ قَد اُشرِكَ مَعَهُ فَصَدِّقوهُ وَاستَجابوا لَهُ ، وأمَروهُ بِمُكاتَبَةِ النَّبِيِّ صلى اللّه عليه و آله ، ووَعَدوهُ إن هُوَ لَم يَقبَل أن يُعينوهُ عَلَيهِ ، فَكانَ نَهارٌ الرَّجّالُ بنُ عَنفُوَةَ لا يَقولُ شَيئاً إلّا تابَعَهُ عَلَيهِ ، وكانَ يَنتَهي إلى‏ أمرِهِ ، وكانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ صلى اللّه عليه و آله ، ويَشهَدُ فِي الأَذانِ أنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللَّهِ ، وكانَ الَّذي يُؤَذِّنُ لَهُ عَبدُ اللَّهِ بنُ النَّوّاحَةِ ، وكانَ الَّذي يُقيمُ لَهُ حُجَيرُ بنُ عُمَيرٍ ، ويَشهَدُ لَهُ ، وكانَ مُسَيلِمَةُ إذا دَنا حُجَيرٌ مِنَ الشَّهادَةِ قالَ : صَرِّح حُجَيرُ ، فَيَزيدُ في صَوتِهِ ، ويُبالِغُ لِتَصديقِ نَفسِهِ ، وتَصديقِ نَهارٍ وتَضليلِ مَن كانَ قَد أسلَمَ فَعَظُمَ وَقارُهُ في أنفُسِهِم .
قالَ : وضَرَبَ حَرَماً بِاليَمامَةِ فَنَهى‏ عَنهُ وأخَدَ النّاسَ بِهِ ، فَكانَ مُحَرَّماً فَوَقَعَ في ذلِكَ الحَرَمِ قُرَى الأَحاليفِ أفخاذٌ مِن بَني اُسَيدٍ كانَت دارُهُم بِاليَمامَةِ ، فَصارَ مَكانَ دارِهِم فِي الحَرَمِ - وَالأَحاليفُ : سَيحانُ ونُمارَةُ ونَمرٌ وَالحارِثُ بَنو جُروَةَ - فَإِن أخصَبوا أغاروا عَلى‏ ثِمارِ أهلِ اليَمامَةِ ، وَاتَّخَذُوا الحَرَمَ دَغَلا ، فَإِن نَذِروا بِهِم فَدَخَلوهُ أحجَموا عَنهُم وإن لَم يَنذِروا بِهِم فَذلِكَ ما يُريدونُ ، فَكَثُرَ ذلِكَ مِنهُم حَتَّى استَعدَوا عَلَيهِم ، فَقالَ : أنتَظِرُ الَّذي يَأتي مِنَ السَّماءِ فيكُم وفيهِم . ثُمَّ قالَ لَهُم :
واللّيل الأطحَم ، والذّئب الأدلَم ، والجذعِ الأزلَم ، ما انتهكت اُسَيد من مَحرَم . فَقالوا : أمّا مَحرَم استحلالُ الحَرَمِ وفَسادُ الأَموالِ ، ثُمَّ عادوا لِلغارَةِ وعادوا لِلعُدوى‏ .
فَقالَ : انتَظِر الَّذي يَأتيني ، فَقالَ :
واللّيل الدّامِس ، والذّئب الهامِس ، ما قطعت اُسَيد من رطبٍ ولا يابسٍ .
فَقالوا : أمَّا النَّخيلُ مُرطِبَةٌ فَقَد جَدّوها ، وأمَّا الجُدرانُ يابِسَةٌ فَقَد هَدَموها .
فَقالَ : اِذهَبوا وَارجِعوا فَلا حَقَّ لَكُم .
وكانَ فيما يَقرَأُ لَهُم فيهِم : إنّ بني تميم قومٌ طُهر لِقاح ، لا مكروه عليهم ولا إتاوة ، نجاورهم ما حيينا بإحسان ، نمنعهم من كلّ إنسانٍ ، فإذا مِتنا فأمرهم إلى الرحمن .
وكانَ يَقولُ : والشّاء وألوانها ، وأعجبها السّودُ وألبانها ، والشاة السّوداء ، واللّبن

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27889
صفحه از 616
پرینت  ارسال به