وذَكَروا أن وَفَدَ عَمرُو بنُ العاصِ عَلى مُسَيلِمَةَ وكانَ صَديقاً لَهُ فِي الجاهِلِيَّةِ - وكانَ عَمرٌو لَم يُسلِم بَعدُ - فَقالَ لَهُ مُسَيلِمَةُ : وَيحَكَ يا عَمرُو ، ماذا اُنزِلَ عَلى صاحِبِكُم - يَعني رَسولَ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله - في هذِهِ المُدَّةِ ؟ فَقالَ : لَقَد سَمِعتُ أصحابَهُ يَقرَؤونَ سورَةً عَظيمَةً قَصيرَةً ، فَقالَ : وما هِيَ ؟ فَقالَ : « وَ الْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَنَ لَفِى خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّلِحَتِ وَ تَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ » .
فَفَكَّرَ مُسَيلِمَةُ ساعَةً ، ثُمَّ قالَ : وقَد اُنزِلَ عَلَيَّ مِثلُهُ ، فَقالَ : وما هُوَ ؟ فَقالَ : يا وَبرُ إنّما أنتَ اُذنانِ وصَدرٌ ، وسائِرُكَ حَقِرٌ نَقِرٌ .
كَيفَ تَرى يا عَمرُو ؟
فَقالَ لَهُ عَمرٌو : وَاللَّهِ إنَّكَ لَتَعلَمُ أنّي أعلَمُ أنَّكَ تَكذِبُ .
فَإِذا كانَ هذا مِن مُشرِكٍ في حالِ شِركِهِ ، لَم يَشتَبِه عَلَيهِ حالُ مُحَمَّدٍ صلى اللّه عليه و آله وصِدقُهُ ، وحالُ مُسَيلِمَةَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وكَذِبُهُ . فَكَيفَ بِاُولِي البَصائِرِ وَالنُّهى ، وأصحابِ العُقولِ السَّليمَةِ المُستَقيمَةِ وَالحِجى ؟ .
ولِهذا قالَ اللَّهُ تَعالى : « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ »۱، وقالَ في هذِهِ الآيَةِ الكَريمَةِ : « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بَِايَتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّلِمُونَ »۲ ، وكَذلِكَ مَن كَذَّبَ بِالحَقِّ الَّذي جاءَت بِهِ الرُّسُلُ وقامَت عَلَيهِ الحُجَجُ لا أحَدَ أظلَمُ مِنهُ .۳
۳۱۱. تاريخ الطبري : كَتَبَ إلَيَّ السَّرِيُّ عَن شُعَيبٍ عَن سَيفٍ عَن طَلحَةَ بنِ الأَعلَمِ عَن عُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ عَن أثالٍ الحَنَفِيِّ - وكانَ مَعَ ثُمامَةَ بنِ أثالٍ - قالَ : وكانَ مُسَيلِمَةُ يُصانِعُ كُلَّ أحَدٍ ويَتَأَلَّفُهُ ، ولا يُبالي أن يَطَّلِعَ النّاسُ مِنهُ عَلى قَبيحٍ ، وكانَ مَعَهُ نَهارٌ الرَّجّالُ بنُ عَنفُوَةَ ، وكانَ قَد هاجَرَ إلَى النَّبِيِّ صلى اللّه عليه و آله وقَرَأَ القُرآنَ وفُقِّهَ فِي الدّينِ فَبَعَثَهُ مُعَلِّماً لِأَهلِ