299
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

وذَكَروا أن وَفَدَ عَمرُو بنُ العاصِ عَلى‏ مُسَيلِمَةَ وكانَ صَديقاً لَهُ فِي الجاهِلِيَّةِ - وكانَ عَمرٌو لَم يُسلِم بَعدُ - فَقالَ لَهُ مُسَيلِمَةُ : وَيحَكَ يا عَمرُو ، ماذا اُنزِلَ عَلى‏ صاحِبِكُم - يَعني رَسولَ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله - في هذِهِ المُدَّةِ ؟ فَقالَ : لَقَد سَمِعتُ أصحابَهُ يَقرَؤونَ سورَةً عَظيمَةً قَصيرَةً ، فَقالَ : وما هِيَ ؟ فَقالَ : « وَ الْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَنَ لَفِى خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّلِحَتِ وَ تَوَاصَوْاْ بِالْحَقِ‏ّ وَ تَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ » .
فَفَكَّرَ مُسَيلِمَةُ ساعَةً ، ثُمَّ قالَ : وقَد اُنزِلَ عَلَيَّ مِثلُهُ ، فَقالَ : وما هُوَ ؟ فَقالَ : يا وَبرُ إنّما أنتَ اُذنانِ وصَدرٌ ، وسائِرُكَ حَقِرٌ نَقِرٌ .
كَيفَ تَرى‏ يا عَمرُو ؟
فَقالَ لَهُ عَمرٌو : وَاللَّهِ إنَّكَ لَتَعلَمُ أنّي أعلَمُ أنَّكَ تَكذِبُ .
فَإِذا كانَ هذا مِن مُشرِكٍ في حالِ شِركِهِ ، لَم يَشتَبِه عَلَيهِ حالُ مُحَمَّدٍ صلى اللّه عليه و آله وصِدقُهُ ، وحالُ مُسَيلِمَةَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وكَذِبُهُ . فَكَيفَ بِاُولِي البَصائِرِ وَالنُّهى‏ ، وأصحابِ العُقولِ السَّليمَةِ المُستَقيمَةِ وَالحِجى‏ ؟ .
ولِهذا قالَ اللَّهُ تَعالى‏ : « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ‏ءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ »۱، وقالَ في هذِهِ الآيَةِ الكَريمَةِ : « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بَِايَتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّلِمُونَ »۲ ، وكَذلِكَ مَن كَذَّبَ بِالحَقِّ الَّذي جاءَت بِهِ الرُّسُلُ وقامَت عَلَيهِ الحُجَجُ لا أحَدَ أظلَمُ مِنهُ .۳

۳۱۱. تاريخ الطبري : كَتَبَ إلَيَّ السَّرِيُّ عَن شُعَيبٍ عَن سَيفٍ عَن طَلحَةَ بنِ الأَعلَمِ عَن عُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ عَن أثالٍ الحَنَفِيِّ - وكانَ مَعَ ثُمامَةَ بنِ أثالٍ - قالَ : وكانَ مُسَيلِمَةُ يُصانِعُ كُلَّ أحَدٍ ويَتَأَلَّفُهُ ، ولا يُبالي أن يَطَّلِعَ النّاسُ مِنهُ عَلى‏ قَبيحٍ ، وكانَ مَعَهُ نَهارٌ الرَّجّالُ بنُ عَنفُوَةَ ، وكانَ قَد هاجَرَ إلَى النَّبِيِّ صلى اللّه عليه و آله وقَرَأَ القُرآنَ وفُقِّهَ فِي الدّينِ فَبَعَثَهُ مُعَلِّماً لِأَهلِ

1.الأنعام : ۹۳ .

2.الأنعام : ۲۱ .

3.تفسير ابن كثير : ج ۴ ص ۱۹۱ .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
298

إلّا كحرمته يابِسٍ . قوموا فَلا أرى‏ عَلَيكُم فيما صَنَعتُم بَأساً.
قالَ عَمرٌو: أما وَاللَّهِ إنَّكَ كاذِبٌ ، وإنَّكَ لَتَعلَمُ أنَّكَ لَمِنَ الكاذِبينَ . فَتَوَعَّدَني.۱

۳۱۰. تفسير ابن كثير : وأمّا مُسَيلِمَةُ فَمَن شاهَدَهُ مِن ذَوِي البَصائِرِ عَلِمَ أمرَهُ لا مَحالَةَ ، بِأَقوالِهِ الرَّكيكَةِ الَّتي لَيسَت بِفَصيحَةٍ ، وأفعالِهِ غَيرِ الحَسَنَةِ بَلِ القَبيحَةِ ، وقُرآنِهِ الَّذي يُخلَدُ بِهِ فِي النّارِ يَومَ الحَسرَةِ وَالفَضيحَةِ.
وكَم مِن فَرقٍ بَينَ قَولِهِ تَعالى‏ : « اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَوَ تِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْ‏ءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَ تِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ »۲ وبَينَ عُلاكِ‏۳ مُسَيلِمَةَ قَبَّحَهُ اللَّهُ ولَعَنَهُ: «يا ضِفدِع بنت الضِّفدِعَينِ، نقّي كم تنقّين ، لا الماء تُكدّرين ، ولا الشارب تُمنعين» .
وقَولُهُ - قُبِّحَ ولُعِنَ - : «لقد أنعَمَ اللَّهُ عَلَى الحُبلى‏ ، إذ أخرَجَ مِنها نسمةً تَسعى‏ ، مِن بَينِ صِفاقٍ وحَشىً» .
وقَولُهُ - خَدَّرَهُ اللَّهُ في نارِ جَهَنَّمَ وقَد فَعَلَ - : «الفيلُ ، وما أدراك ما الفيلُ ، له زُلقومٌ طويلٌ» .
. . . وقَولُهُ - أبعَدَهُ اللَّهُ مِن رَحمَتِهِ - : «والعاجنات عَجناً ، والخابزات خَبزاً ، واللّاقمات لَقماً ، إهالةً وسَمناً ، إن قريشاً قومٌ يَعتدونَ» .
إلى‏ غَيرِ ذلِكَ مِنَ الهَذَياناتِ وَالخُرافاتِ الَّتي يَأنَفُ الصِّبيانُ أن يَتَلَفَّظوا بِها إلّا عَلى‏ وَجهِ السُّخرِيَّةِ وَالاِستِهزاءِ ، ولِهذا أرغَمَ اللَّهُ أنفَهُ ، وشَرِبَ يَومَ «حَديقَةِ المَوتِ»۴ حَتفَهُ ، ومُزِّقَ شَملُهُ ولَعَنَهُ صَحبُهُ وأهلُهُ ... .

1.سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۶۹ ، تاريخ دمشق : ج ۴۶ ص ۱۵۳ نحوه وراجع: الإصابة : ج ۵ ص ۳۳۴ .

2.البقرة : ۲۵۵ .

3.علاك - بضمّ العين وفتحها - : شجر في الحجاز ؛ أي ما يُعلَك ( لسان العرب : ج ۱۰ ص ۴۷۰ «علك» ) .

4.. الحديقة - بالفتح ثم الكسر ، وياء ساكنة وقاف وهاء - : اسم لبستان من أرض اليمامة ، فيها قُتل مسيلمة الكذّاب ، وأصحابه يُسمّونها : «حديقة الموت» (مراصد الإطّلاع : ج‏۱ ص ۳۸۷ ) .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27904
صفحه از 616
پرینت  ارسال به