297
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

وحَشىً . وأشياءُ مِن هذَا الكَلامِ السَّخيفِ الرَّكيكِ البارِدِ السَّميجِ.
وقَد أورَدَ أبو بَكرِ بنُ الباقِلانِيِّ في كتابِهِ «إعجازُ القُرآنِ» أشياءَ مِن كَلامِ هؤُلاءِ الجَهَلَةِ المُتَنَبِّئينَ ؛ كَمُسَيلِمَةَ وطُلَيحَةَ وَالأَسوَدِ وسَجاحَ وغَيرِهِم ، مِمّا يَدُلُّ عَلى‏ ضَعفِ عُقولِهِم وعُقولِ مَنِ اتَّبَعَهُم عَلى‏ ضَلالِهِم ومَحالِهِم.
وقَد رَوَينا عَن عَمرِو بنِ العاصِ أنَّهُ وَفَدَ إلى‏ مُسَيلِمَةَ في أيّامِ جاهِلِيَّتِهِ ، فَقالَ لَهُ مُسَيلِمَةُ: ماذا اُنزِلَ عَلى‏ صاحِبِكُم في هذَا الحينِ؟ فَقالَ لَهُ عَمرٌو: لَقَد اُنزِلَ عَلَيهِ سورَةٌ وَجيزَةٌ بَليغَةٌ ، فَقالَ: وما هِيَ؟ قالَ: اُنزِلَ عَلَيهِ « وَ الْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَنَ لَفِى خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّلِحَتِ وَ تَوَاصَوْاْ بِالْحَقِ‏ّ وَ تَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ ».
قالَ : فَفَكَّرَ مُسَيلِمَةُ ساعَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقالَ : و لَقَد اُنزِلَ عَلَيَّ مِثلُها ، فَقالَ لَهُ عَمرٌو: وما هِيَ؟ فَقالَ مُسَيلِمَةُ: يا وَبَرُ يا وَبَرُ ، إنَّما أنتَ إيرادٌ وصَدَرٌ ، وسائِرُكَ حَفرُ نُقَرٍ.
ثُمَّ قالَ: كَيفَ تَرى‏ يا عَمرُو؟
فَقالَ لَهُ عَمرٌو: وَاللَّهِ إنَّكَ لَتَعلَمُ أنّي أعلَمُ أنَّكَ تَكذِبُ.۱

۳۰۹. سير أعلام النبلاء عن عمرو بن العاص : مَرَرتُ عَلى‏ مُسَيلِمَةَ ، فَأَعطانِي الأَمانَ ، ثُمَّ قالَ: إنَّ مُحَمَّداً اُرسِلَ في جَسيمِ الاُمورِ ، واُرسِلتُ فِي المُحَقَّراتِ .
قُلتُ: اِعرِض عَلَيَّ ما تَقولُ .
فَقالَ: يا ضِفدِع ، نقِّي فإنّك نعم ما تَنِقِّينَ ، لا زاداً تنقّرين ، ولا ماءً تكدّرين . ثُمَّ قالَ: يا وَبَر يا وَبَر ، وَيدانِ وصَدر ، وبيانُ خلقِهِ حَفرٌ.
ثُمَّ اُتِيَ بِاُناسٍ يَختَصِمونَ في نَخَلاتٍ قَطَعَها بَعضُهُم لِبَعضٍ. فَتَسَجّى‏ قَطيفَةً ، ثُمَّ كَشَفَ رَأسَهُ ، ثُمَّ قالَ: والليل الأدهَم ، والذئب الأسحَم ، ما جاء ابن أبي مسلم من مجرم‏۲ . ثُمَّ تَسَجَّى الثّانِيَةَ ، فَقالَ: واللّيل الدّامِس ، والذّئب الهامِس ، ما حُرمتُه رَطباً

1.البداية والنهاية : ج ۶ ص ۳۲۶ .

2.في تاريخ دمشق: «محرم» .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
296

۵ / ۲ - ۶

الجُهودُ اليائِسَةُ فِي الإِتيانِ بِمِثلِ القُرآنِ‏

۳۰۸. البداية والنهاية: قالَ خَليفَةُ بنُ حَنّاطٍ ومُحَمَّدُ بنُ جَريرٍ وخَلقٌ مِنَ السَّلَفِ: كانَت وَقعَةُ اليَمامَةِ في سَنَةِ إحدى‏ عَشرَةَ ، وقالَ ابنُ قانِعٍ: في آخِرِها ، وقالَ الواقِدِيُّ وآخَرونُ: كانَت في سَنَةِ ثِنتَي عَشرَةَ ، وَالجَمعُ بَينَها أنَّ ابتِداءَها في سَنَةِ إحدى‏ عَشرَةَ ، وَالفَراغَ مِنها في سَنَةِ ثِنتَي عَشرَةَ ، وَاللَّهُ أعلَمُ.
ولَمّا قَدِمَت وُفودُ بَني حَنيفَةَ عَلَى الصِّدّيقِ قالَ لَهُم: أسمِعونا شَيئاً مِن قُرآنِ مُسَيلِمَةَ ، فَقالوا: أوَ تُعفينا يا خَليفَةَ رَسولِ اللَّهِ؟ فَقالَ : لا بُدَّ مِن ذلِكَ .
فَقالوا : كانَ يَقولُ : يا ضِفدَعُ بِنتُ الضِّفدَعَينِ ، نُقّي لَكَم تَنُقّين‏۱ ، لَا الماءَ تُكَدِّرينَ وَلا الشّارِبَ تَمنَعينَ ، رَأسُكِ فِي الماءِ ، وذَنَبُكَ فِي الطّينِ .
وكانَ يَقولُ: وَالمُبَذِّراتِ زَرعاً ، وَالحاصِداتِ حَصداً ، وَالذّارِياتِ قَمحاً ، وَالطّاحِناتِ طَحناً ، وَالخابِزاتِ خَبزاً ، وَالثّارِداتِ ثَرداً ، وَاللّاقِماتِ لَقماً ، إهالَةً وسَمناً ، لَقَد فُضِّلتُم عَلى‏ أهلِ الوَبَرِ ، وما سَبَقَكُم أهلُ المَدَرِ ، رفيقَكُم فَامنَعوهُ ، وَالمُعتَرَّ فَآووُه ، وَالنّاعِيَ فَواسوهُ .
وذَكَروا أشياءَ مِن هذِهِ الخُرافاتِ الَّتي يَأنَفُ مِن قَولِهَا الصِّبيانُ وهُم يَلعَبونَ ، فَيُقالُ: إنَّ الصِّدّيقَ قالَ لَهُم: وَيحَكُم! أينَ كانَ يَذهَبُ بِقَولِكُم؟۲ إنَّ هذَا الكَلامَ لَم يَخرُج مِن إلٍّ.
وكانَ يَقولُ: وَالفيلُ ، وما أدراكَ مَا الفيلُ ، لَهُ زَلّومٌ طَويلٌ . وكانَ يَقولُ: وَاللَّيلِ الدّامِسِ ، وَالذِّئبِ الهامِسِ ، ما قَطَعَت أسَدٌ مِن رطبٍ ولا يابِسٍ .
وتَقَدَّمَ قَولُهُ: لَقَد أنعَمَ اللَّهُ عَلَى الحُبلى‏ ، أخرَجَ مِنها نَسمَةً تَسعى‏ ، مِن بَينِ صِفاقٍ

1.في المصدر : «نقين» ، وهو تصحيف (اُنظر : تمهيد الأوائل للباقلاني : ص ۱۸۲ ، إعجاز القرآن للباقلاني : ص ۱۵۷ ، الفائق في غريب الحديث : ج ۳ ص ۳۲۴ وغيرها) .

2.كذا ، والظاهر أنّ الصواب : «بعقولكم» .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27549
صفحه از 616
پرینت  ارسال به