293
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

الأَلبابِ وَالحِجى‏ واُولُو النُّهى‏ أن يَعلَموا أنَّهُ إذَا انكَشَفَ الغِطاءُ رَأَوا ما يوعَدونَ . وقالَ في آيَةٍ اُخرى‏: « فَأَتَل-هُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ »۱ يَعني أرسَلَ عَلَيهِم عَذاباً ، وكَذلِكَ إتيانُهُ بُنيانَهُم ، قالَ اللَّهُ عزّ و جلّ : « فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَنَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ »۲فَإِتيانُهُ بُنيانَهُم مِنَ القَواعِدِ إرسالُ العَذابِ عَلَيهِم . وكَذلِكَ ما وَصَفَ مِن أمرِ الآخِرَةِ تَبارَكَ اسمُهُ وتَعالى‏ عُلُوّاً كَبيراً أنَّهُ يَجري اُمورُهُ في ذلِكَ اليَومِ الَّذي كانَ مِقدارُهُ خَمسينَ ألفَ سَنَةٍ كَما يَجري اُمورُهُ فِي الدُّنيا ، لا يَغيبُ ولا يَأفِلُ مَعَ الآفِلينَ . فَاكتَفِ بِما وَصَفتُ لَكَ مِن ذلِكَ مِمّا جالَ في صَدرِكَ مِمّا وَصَفَ اللَّهُ عزّ و جلّ في كِتابِهِ ، ولا تَجعَل كَلامَهُ كَكَلامِ البَشَرِ ، هُوَ أعظَمُ وأجَلُّ وأكرَمُ وأعَزُّ ، تَبارَكَ وتَعالى‏ مِن أن يَصِفَهُ الواصِفونَ إلّا بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ في قَولِهِ عزّ و جلّ : « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ‏ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » .۳
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي يا أميرَ المُؤمِنينَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً.
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ: « بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَفِرُونَ » ، وذَكَرَ اللَّهُ المُؤمِنينَ : « الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ » ، وقَولُهُ لِغَيرِهِم : « إِلَى‏ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ »۴ ، وقَولُهُ: « فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَلِحًا » ؛ فَأَمّا قَولُهُ: « بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَفِرُونَ » يَعنِي البَعثَ ، فَسَمّاهُ اللَّهُ عزّ و جلّ لِقاءَهُ ، وكَذلِكَ ذَكَرَ المُؤمِنينَ « الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ » يَعني يوقِنونَ أنَّهُم يُبعَثونَ ويُحشَرونَ ويُحاسَبونَ ويُجزَونَ بِالثَّوابِ وَالعِقابِ ، فَالظَّنُّ ههُنَا اليَقينُ خاصَّةً ، وكَذلِكَ قَولُهُ: « فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَلِحًا » وقَولُهُ: « مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَأَتٍ » يَعني: مَن كانَ يُؤمِنُ بِأَنَّهُ مَبعوثٌ فَإِنَّ وَعدَ اللَّهِ لَآتٍ مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ ، فَاللِّقاءُ ههُنا لَيسَ بِالرُّؤيَةِ ، وَاللِّقاءُ هُوَ البَعثُ ، فَافهَم جَميعَ ما في كِتابِ اللَّهِ مِن لِقائِهِ فَإِنَّهُ يَعني بِذلِكَ البَعثَ ، وكَذلِكَ قَولُهُ: « تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَمٌ » يَعني أنَّهُ لا يَزولُ الإِيمانُ عَن قُلوبِهِم

1.الحشر : ۲ .

2.النحل : ۲۶ .

3.الشورى : ۱۱ .

4.التوبة : ۷۷ .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
292

اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ سُبّوحاً قُدّوساً تَعالى‏ أن يَجرِيَ مِنهُ ما يَجري مِنَ المَخلوقينَ وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ ، وأجَلُّ وأكبَرُ أن يَنزِلَ بِهِ شَي‏ءٌ مِمّا يَنزِلُ بِخَلقِهِ وهُوَ عَلَى العَرشِ استَوى‏ عِلمُهُ ، شاهِدٌ لِكُلِّ نَجوى‏ ، وهُوَ الوَكيلُ عَلى‏ كُلِّ شَي‏ءٍ ، وَالمُيَسِّرُ لِكُلِّ شَي‏ءٍ ، وَالمُدَبِّرُ لِلأَشياءِ كُلِّها ، تَعالَى اللَّهُ عَن أن يَكونَ عَلى‏ عَرشِهِ عُلُوّاً كَبيراً.
فَقالَ عليه السلام :۱ وأمّا قَولُهُ: « وَ جَاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا » ، وقَولُهُ: « وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَ دَى‏ كَمَا خَلَقْنَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ » ، وقَولُهُ: « هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَل-ِكَةُ » ، وقَولُهُ : « هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَل-ِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ » فَإِنَّ ذلِكَ حَقٌّ كَما قالَ اللَّهُ عزّ و جلّ ، ولَيسَ لَهُ جيئَةٌ كَجيئَةِ الخَلقِ ، وقَد أعلَمتُكَ أنَّ رُبَّ شَي‏ءٍ مِن كِتابِ اللَّهِ تَأويلُهُ عَلى‏ غَيرِ تَنزيلِهِ ولا يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ ، وسَاُنَبِّئُكَ بِطَرفٍ مِنهُ فَتَكتَفي إن شاءَ اللَّهُ :
مِن ذلِكَ قَولُ إبراهيمَ : « إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى‏ رَبِّى سَيَهْدِينِ »۲، فَذَهابُهُ إلى‏ رَبِّهِ تَوَجُّهُهُ إلَيهِ عِبادَةً وَاجتِهاداً وقُربَةً إلَى اللَّهِ جَلَّ وعَزَّ ، ألا تَرى‏ أنَّ تَأويلَهُ غَيرُ تَنزيلِهِ؟! وقالَ: « وَ أَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ »۳، يَعنِي السِّلاحَ وغَيرَ ذلِكَ. وقَولُهُ: « هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَل-ِكَةُ » يُخبِرُ مُحَمَّداً صلى اللّه عليه و آله عَنِ المُشرِكينَ وَالمُنافِقينَ الَّذينَ لَم يَستَجيبوا للَّهِ‏ِ ولِلرَّسولِ ، فَقالَ: « هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَل-ِكَةُ » حَيثُ لَم يَستَجيبوا للَّهِ‏ِ ولِرَسولِهِ « أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ » يَعني بِذلِكَ العَذابَ يَأتيهِم في دارِ الدُّنيا كَما عَذَّبَ القُرونَ الاُولى‏ ، فَهذا خَبَرٌ يُخبِرُ بِهِ النَّبِيَّ صلى اللّ عَنهُم. ثُمَّ قالَ: « يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَنِهَا خَيْرًا » يَعني مِن قَبلِ أن يَجي‏ءَ هذِهَ الآيَةُ ، وهذِهِ الآيَةُ طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها ، وإنَّما يَكتَفي اُولُو

1.الظاهر أنّه سقط هنا قول الرجل لأمير المؤمنين عليه السلام : « فرّجتَ عنّي يا أمير المؤمنين . . . إلخ » كما يقتضيه السياق .

2.الصافّات : ۹۹ .

3.الحديد : ۲۵ .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27885
صفحه از 616
پرینت  ارسال به