الأَلبابِ وَالحِجى واُولُو النُّهى أن يَعلَموا أنَّهُ إذَا انكَشَفَ الغِطاءُ رَأَوا ما يوعَدونَ . وقالَ في آيَةٍ اُخرى: « فَأَتَل-هُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ »۱ يَعني أرسَلَ عَلَيهِم عَذاباً ، وكَذلِكَ إتيانُهُ بُنيانَهُم ، قالَ اللَّهُ عزّ و جلّ : « فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَنَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ »۲فَإِتيانُهُ بُنيانَهُم مِنَ القَواعِدِ إرسالُ العَذابِ عَلَيهِم . وكَذلِكَ ما وَصَفَ مِن أمرِ الآخِرَةِ تَبارَكَ اسمُهُ وتَعالى عُلُوّاً كَبيراً أنَّهُ يَجري اُمورُهُ في ذلِكَ اليَومِ الَّذي كانَ مِقدارُهُ خَمسينَ ألفَ سَنَةٍ كَما يَجري اُمورُهُ فِي الدُّنيا ، لا يَغيبُ ولا يَأفِلُ مَعَ الآفِلينَ . فَاكتَفِ بِما وَصَفتُ لَكَ مِن ذلِكَ مِمّا جالَ في صَدرِكَ مِمّا وَصَفَ اللَّهُ عزّ و جلّ في كِتابِهِ ، ولا تَجعَل كَلامَهُ كَكَلامِ البَشَرِ ، هُوَ أعظَمُ وأجَلُّ وأكرَمُ وأعَزُّ ، تَبارَكَ وتَعالى مِن أن يَصِفَهُ الواصِفونَ إلّا بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ في قَولِهِ عزّ و جلّ : « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » .۳
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي يا أميرَ المُؤمِنينَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً.
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ: « بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَفِرُونَ » ، وذَكَرَ اللَّهُ المُؤمِنينَ : « الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ » ، وقَولُهُ لِغَيرِهِم : « إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ »۴ ، وقَولُهُ: « فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَلِحًا » ؛ فَأَمّا قَولُهُ: « بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَفِرُونَ » يَعنِي البَعثَ ، فَسَمّاهُ اللَّهُ عزّ و جلّ لِقاءَهُ ، وكَذلِكَ ذَكَرَ المُؤمِنينَ « الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ » يَعني يوقِنونَ أنَّهُم يُبعَثونَ ويُحشَرونَ ويُحاسَبونَ ويُجزَونَ بِالثَّوابِ وَالعِقابِ ، فَالظَّنُّ ههُنَا اليَقينُ خاصَّةً ، وكَذلِكَ قَولُهُ: « فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَلِحًا » وقَولُهُ: « مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَأَتٍ » يَعني: مَن كانَ يُؤمِنُ بِأَنَّهُ مَبعوثٌ فَإِنَّ وَعدَ اللَّهِ لَآتٍ مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ ، فَاللِّقاءُ ههُنا لَيسَ بِالرُّؤيَةِ ، وَاللِّقاءُ هُوَ البَعثُ ، فَافهَم جَميعَ ما في كِتابِ اللَّهِ مِن لِقائِهِ فَإِنَّهُ يَعني بِذلِكَ البَعثَ ، وكَذلِكَ قَولُهُ: « تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَمٌ » يَعني أنَّهُ لا يَزولُ الإِيمانُ عَن قُلوبِهِم