291
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

بِنَحوٍ واحِدٍ ، فَإِنَّ مِنهُ ما يُبَلِّغُ بِهِ رُسُلُ السَّماءِ رُسُلَ الأَرضِ.
قالَ : فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، و حَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ.
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ: « هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا » فَإِنَّ تَأويلَهُ : هَل تَعلَمُ أحَداً اسمُهُ اللَّهُ غَيرَ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى‏؟ فَإِيّاكَ أن تُفَسِّرَ القُرآنَ بِرَأيِكَ حَتّى‏ تَفقَهَهُ عَنِ العُلَماءِ ، فَإِنَّهُ رُبَّ تَنزيلٍ يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ وهُوَ كَلامُ اللَّهِ ، وتَأويلُهُ لا يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ ، كَما لَيسَ شَي‏ءٌ مِن خَلقِهِ يُشبِهُهُ ، كَذلِكَ لا يُشبِهُ فِعلُهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ شَيئاً مِن أفعالِ البَشَرِ ، ولا يُشبِهُ شَي‏ءٌ مِن كَلامِهِ كَلامَ البَشَرِ ، فَكَلامُ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى‏ صِفَتُهُ وكَلامُ البَشَرِ أفعالُهُم ، فَلا تُشَبِّه كَلامَ اللَّهِ بِكَلامِ البَشَرِ فَتَهلِكَ وتَضِلَّ .
قالَ : فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، و حَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ.
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ: « وَ مَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى السَّمَاءِ » كَذلِكَ رَبُّنا لا يَعزُبُ عَنهُ شَي‏ءٌ ، وكَيفَ يَكونُ مَن خَلَقَ الأَشياءَ لا يَعلَمُ ما خَلَقَ وهُوَ الخَلّاقُ العَليمُ!
وأمّا قَولُهُ: « لَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ » يُخبِرُ أنَّهُ لا يُصيبُهُم بِخَيرٍ ، وقَد تَقولُ العَرَبُ: وَاللَّهِ ما يَنظُرُ إلَينا فُلانٌ ، وإنَّما يَعنونَ بِذلِكَ أنَّهُ لا يُصيبُنا مِنهُ بِخَيرٍ ، فَذلِكَ النَّظَرُ ههُنا مِنَ اللَّهِ تَعالى‏ إلى‏ خَلقِهِ ، فَنَظَرُهُ إلَيهِم رَحمَةٌ مِنهُ لَهُم . وأمّا قَولُهُ : « كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَل-ِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ » فَإِنَّما يَعني بِذلِكَ يَومَ القِيامَةِ أنَّهُم عَن ثَوابِ رَبِّهِم مَحجوبونَ .
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ.
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ: « ءَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ » ، وقَولُهُ: « وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَوَ تِ وَفِى الْأَرْضِ » ، وقَولُهُ: « الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏ » ، وقَولُهُ: « وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ » ، وقَولُهُ: « وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » فَكَذلِكَ


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
290

بِالحُدودِ ، فَلا يَصِفُهُ إلّا كَما وَصَفَ نَفسَهُ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَي‏ءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالباطِنُ ، الخالِقُ البارِئُ المُصَوِّرُ ، خَلَقَ الأَشياءَ فَلَيسَ مِنَ الأَشياءِ شَي‏ءٌ مِثلَهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ .
فَقالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَأَعظَمَ اللَّهُ أجرَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ.
فَقالَ عليه السلام : وأمّا قَولُهُ : « وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ » ، وقَولُهُ: « وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى‏ تَكْلِيمًا » ، وقَولُهُ: « وَنَادَلهُمَا رَبُّهُمَا » ، وقَولُهُ: « يََادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ » ؛ فَأَمّا قَولُهُ: « مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىِ حِجَابٍ » فَإِنَّهُ ما يَنبَغي لِبَشَرٍ أن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلّا وَحياً ، ولَيسَ بِكائِنٍ إلّا مِن وَراءِ حِجابٍ أو يُرسِلَ رَسولاً فَيوحِيَ بِإِذنِهِ ما يَشاءُ ، كَذلِكَ قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ عُلُوّاً كَبيراً ، قَد كانَ الرَّسولُ يوحى‏ إلَيهِ مِن رُسُلِ السَّماءِ فَيُبَلِّغُ رُسُلُ السَّماءِ رُسُلَ الأَرضِ ، وقَد كانَ الكَلامُ بَينَ رُسُلِ أهلِ الأَرضِ وبَينَهُ مِن غَيرِ أن يُرسِلَ بِالكَلامِ مَعَ رُسُلِ أهلِ السَّماءِ .
وقَد قالَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله : يا جَبرَئيلُ هَل رَأَيتَ رَبَّكَ؟
فَقالَ جَبرَئيلُ : إنَّ رَبّي لا يُرى‏ .
فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله : فَمِن أينَ تَأخُذُ الوَحيَ؟
فَقالَ: آخُذُهُ مِن إسرافيلَ .
فَقالَ: ومِن أينَ يَأخُذُهُ إسرافيلُ؟
قالَ: يَأخُذُهُ مِن مَلَكٍ فَوقَهُ مِنَ الرّوحانِيّينَ .
قالَ: فَمِن أينَ يَأخُذُهُ ذلِكَ المَلَكُ؟ قالَ: يُقذَفُ في قَلبِهِ قَذفاً.
فَهذا وَحيٌ ، وهُوَ كَلامُ اللَّهِ عزّ و جلّ ، وكَلامُ اللَّهِ لَيسَ بِنَحوٍ واحِدٍ ؛ مِنهُ ما كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ ، ومِنهُ ما قَذَفَهُ في قُلوبِهِم ، ومِنهُ رُؤيا يُريهَا الرُّسُلَ ، ومِنهُ وَحيٌ وتَنزيلٌ يُتلى‏ ويُقرَأُ ، فَهُوَ كَلامُ اللَّهِ ، فَاكتَفِ بِما وَصَفتُ لَكَ مِن كَلامِ اللَّهِ ، فَإِنَّ مَعنى‏ كَلامِ اللَّهِ لَيسَ

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27896
صفحه از 616
پرینت  ارسال به