287
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

ذلِكَ اليَومِ الَّذي كانَ مِقدارُهُ خَمسينَ ألفَ سَنَةٍ ، يَجمَعُ اللَّهُ عزّ و جلّ الخَلائِقَ يَومَئِذٍ في مَواطِنَ يَتَفَرَّقونَ ، ويُكَلِّمُ بَعضُهُم بَعضاً ، ويَستَغفِرُ بَعضُهُم لِبَعضٍ؛ اُولئِكَ الَّذينَ كانَ مِنهُمُ الطّاعَةُ فِي دارِ الدُّنيا لِلرُّؤَساءِ وَالاِتِّباعُ‏۱ ، ويَلعَنُ أهلَ المَعاصِي‏۲ الَّذينَ بَدَت مِنهُمُ البَغضاءُ وتَعاوَنوا عَلَى الظُّلمِ وَالعُدوانِ في دارِ الدُّنيا ، المُستَكبِرينَ وَالمُستَضعَفينَ ، يَكفُرُ بَعضُهُم بِبَعضٍ ويَلعَنُ بَعضُهُم بَعضاً ، وَالكُفرُ في هذِهِ الآيَةِ البَراءَةُ ؛ يَقولُ: يَبرَأُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ ، ونَظيرُها في سورَةِ إبراهيمَ قَولُ الشَّيطانِ: « إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ »۳، وقَولُ إبراهيمَ خَليلِ الرَّحمنِ : « كَفَرْنَا بِكُمْ »۴يَعني تَبَرَّأنا مِنكُم.
ثُمَّ يَجتَمِعونَ في مَوطِنٍ آخَرَ يَبكونَ فيهِ ، فَلَو أنَّ تِلكَ الأَصواتَ بَدَت لِأَهلِ الدُّنيا لَأَذهَلَت جَميعَ الخَلقِ عَن مَعائِشِهِم ، ولَتَصَدَّعَت قُلوبُهُم إلّا ما شاءَ اللَّهُ ، فَلا يَزالونَ يَبكونَ الدَّمَ.
ثُمَّ يَجتَمِعونَ في مَوطِنٍ آخَرَ فَيُستَنطَقونَ فيهِ فَيَقولونَ: « وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ » ، فَيَختِمُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ عَلى‏ أفواهِهِم ، ويَستَنطِقُ الأَيدِيَ وَالأَرجُلَ وَالجُلودَ فَتَشهَدُ بِكُلِّ مَعصِيَةٍ كانَت مِنهُم ، ثُمَّ يَرفَعُ عَن ألسِنَتِهِمُ الخَتمَ فَيَقولونَ لِجُلودِهِم: « لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْ‏ءٍ » .۵
ثُمَّ يَجتَمِعونَ في مَوطِنٍ آخَرَ فَيُستَنطَقونَ فَيَفِرُّ بَعضُهُم مِن بَعضٍ ، فَذلِكَ قَولُهُ عزّ و جلّ : « يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ * وَ صَحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ »۶، فَيُستَنطَقونَ فَلا يَتَكَلَّمونَ

1.الرؤساء من أهل الحقّ. والاتّباع مصدر عطف على الطاعة (هامش المصدر).

2.قوله: «ويلعن أهل المعاصي» عطف على «يجمع» ، وفاعله ضمير راجع إلى اللَّه ، و «أهل المعاصي» مفعوله ، والموصول صفة لأهل المعاصي ، «المستكبرين والمستضعفين» صفتان بعد صفة ، و«يكفر» و «يلعن» حالان للمفعول (هامش المصدر) .

3.إبراهيم : ۲۲ .

4.الممتحنة : ۴ .

5.فصّلت : ۲۱ .

6.عبس : ۳۴ - ۳۶ .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
286

وقَد هَلَكتُ إن لَم تَرحَمني وتَشرَح لي صَدري فيما عَسى‏ أن يَجرِيَ ذلِكَ عَلى‏ يَدَيكَ ، فَإِن كانَ الرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالى‏ حَقّاً ، وَالكِتابُ حَقّاً ، وَالرُّسُلُ حَقّاً ، فَقَد هَلَكتُ وخَسِرتُ! وإن تَكُنِ الرُّسُلُ باطِلاً فَما عَلَيَّ بَأسٌ وقَد نَجَوتُ.
فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : قُدّوسٌ رَبُّنا ، قُدّوسٌ تَبارَكَ وتَعالى‏ عُلُوّاً كَبيراً ، نَشهَدُ أنَّهُ هُوَ الدّائِمُ الَّذي لا يَزولُ ، ولا نَشُكُّ فيهِ ، ولَيسَ كَمِثلِهِ شَي‏ءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، وأنَّ الكِتابَ حَقٌّ ، وَالرُّسُلَ حَقٌّ ، وأنَّ الثَّوابَ وَالعِقابَ حَقٌّ ، فَإِن رُزِقتَ زِيادَةَ إيمانٍ أو حُرِمتَهُ فَإِنَّ ذلِكَ بِيَدِ اللَّهِ ، إن شاءَ رَزَقَكَ وإن شاءَ حَرَمَكَ ذلِكَ ، ولكِن سَاُعَلِّمُكَ ما شَكَكتَ فيهِ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ ؛ فَإِن أرادَ اللَّهُ بِكَ خَيراً أعلَمَكَ بِعِلمِهِ وثَبَّتَكَ ، وإن يَكُن شَرّاً ضَلَلتَ وهَلَكتَ.
أمّا قَولُهُ: « نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ » إنَّما يَعني نَسُوا اللَّهَ في دارِ الدُّنيا لَم يَعمَلوا بِطاعَتِهِ ، فَنَسِيَهُم فِي الآخِرَةِ أي لَم يَجعَل لَهُم في ثَوابِهِ شَيئاً فَصاروا مَنسِيّينَ مِنَ الخَيرِ ، وكَذلِكَ تَفسيرُ قَولِهِ عزّ و جلّ : « فَالْيَوْمَ نَنسَل-هُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا » يَعني بِالنِّسيانِ أنَّهُ لَم يُثِبهُم كَما يُثيبُ أولِياءَهُ الَّذين كانوا في دارِ الدُّنيا مُطيعينَ ذاكِرينَ حينَ آمَنوا بِهِ وبِرُسُلِهِ وخافوهُ بِالغَيبِ. وأمّا قَولُهُ: « وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » فَإِنَّ رَبَّنا تَبارَكَ وتَعالى‏ عُلُوّاً كَبيراً لَيسَ بِالَّذي يَنسى‏ ولا يَغفُلُ ، بَل هُوَ الحَفيظُ العَليمُ ، وقَد يَقولُ العَرَبُ في بابِ النِّسيانِ قَد نَسِيَنا فُلانٌ فَلا يَذكُرُنا ، أي أنَّهُ لا يَأمُرُ لَنا بِخَيرٍ ولا يَذكُرُنا بِهِ ، فَهَل فَهِمتَ ما ذَكَرَ اللَّهُ عزّ و جلّ ؟
قالَ: نَعَم ، فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ.
فَقالَ: وأمّا قَولُهُ: « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلَل-ِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا » ، وقَولُهُ: « وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ » ، وقَولُهُ: « يَوْمَ الْقِيَمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا » ، وقَولُهُ: « إِنَّ ذَ لِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ » ، وقَولُهُ: « لَا تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ » ، وقَولُهُ: « الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى‏ أَفْوَ هِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ » فَإِنَّ ذلِكَ في مَواطِنَ غَيرِ واحِدٍ مِن مَواطِنِ

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27940
صفحه از 616
پرینت  ارسال به