255
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

فَلَمّا كانَ مِن قابِلٍ اجتَمَعوا عِندَ بَيتِ اللَّهِ الحَرامِ ، فَقالَ ابنُ أبِي العَوجاءِ :
أمّا أنَا فَمُفَكِّرٌ مُنذُ افتَرَقنا في هذِهِ الآيَةِ : « فَلَمَّا اسْتَيَْسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا »۱ فَما أقدِرُ أن أضُمَّ إلَيها في فَصاحَتِها وجَمعِ مَعانيها شَيئاً ، فَشَغَلَتني هذِهِ الآيَةُ عَنِ التَّفَكُّرِ فيما سِواها .
فَقالَ عَبدُ المَلِكِ : وأنَا مُنذُ فارَقتُكُم مُفَكِّرٌ في هذِهِ الآيَةِ : « يَأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَ لَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ وَ إِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيًْا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ »۲ ولَم أقدِر عَلَى الإِتيانِ بِمِثلِها .
فَقالَ أبو شاكِرٍ : وأنَا مُنذُ فارَقتُكُم مُفَكِّرٌ في هذِهِ الآيَةِ : « لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا »۳ لَم أقدِر عَلَى الإِتيانِ بِمِثلِها .
فَقالَ ابنُ المُقَفَّعِ : يا قَومِ! إنَّ هذَا القُرآنَ لَيسَ مِن جِنسِ كَلامِ البَشَرِ ، وأنَا مُنذُ فارَقتُكُم مُفَكِّرٌ في هذِهِ الآيَةِ : « وَ قِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِى مَاءَكِ وَ يَسَمَاءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ الْمَاءُ وَ قُضِىَ الْأَمْرُ وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِىِ‏ّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّلِمِينَ »۴ لَم أبلُغِ المَعرِفَةَ بِها ، ولَم أقدِر عَلَى الإِتيانِ بِمِثلِها .
قالَ هِشامُ بنُ الحَكَمِ : فَبَينَما هُم في ذلِكَ . إذ مَرَّ بِهِم جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصّادِقُ عليهما السلام فَقالَ : « قُل لَّل-ِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَ الْجِنُّ عَلَى‏ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا »۵ . فَنَظَرَ القَومُ بَعضُهُم إلى‏ بَعضٍ وقالوا : لَئِن كانَ لِلإِسلامِ حَقيقَةٌ لَمَا انتَهَت أمرُ وَصِيَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللّه عليه و آله إلّا إلى‏ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ ، وَاللَّهِ ما رَأَيناهُ قَطُّ إلّا هِبناهُ وَاقشَعَرَّت جُلودُنا لِهَيبَتِهِ ، ثُمَّ تَفَرَّقوا مُقِرّينَ بِالعَجزِ .۶

1.يوسف : ۸۰ .

2.الحجّ : ۷۳ .

3.الأنبياء : ۲۲ .

4.هود : ۴۴ .

5.الإسراء : ۸۸ .

6.الاحتجاج: ج‏۲ص‏۳۰۶ ح‏۲۵۷، الخرائج والجرائح: ج‏۲ص‏۷۱۰ ح‏۵ نحوه، بحار الأنوار: ج‏۱۷ ص‏۲۱۳ ح‏۱۹.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
254

قالَ : نَعَم ، قالَ : فَاسمَع مِنّي ، قالَ : أفعَلُ . فَقالَ : « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَبٌ فُصِّلَتْ ءَايَتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَ نَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَ قَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ »۱ ثُمَّ مَضى‏ رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله فيها يَقَرؤُها عَلَيهِ . فَلَمّا سَمِعَها مِنهُ عُتبَةُ أنصَتَ لَها و ألقى‏ يَدَيهِ خَلفَ ظَهرِهِ مُعتَمِداً عَلَيهِما يَسمَعُ مِنهُ ، ثُمَّ انتَهى‏ رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله إلَى السَّجدَةِ مِنها ، فَسَجَدَ ، ثُمَّ قالَ : قَد سَمِعتَ - يا أبَا الوَليدِ - ما سَمِعتَ ، فَأَنتَ وذاكَ .
فَقامَ عُتبَةُ إلى‏ أصحابِهِ ، فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ : نَحلِفُ بِاللَّهِ لَقَد جاءَكُم أبُو الوَليدِ بِغَيرِ الوَجهِ الَّذي ذَهَبَ بِهِ . فَلَمّا جَلَسَ إلَيهِم قالوا : ما وَراءَكَ يا أبَا الوَليدِ؟
قالَ : وَرائي أنّي قَد سَمِعتُ قَولاً وَاللَّهِ ما سَمِعتُ مِثلَهُ قَطُّ ، وَاللَّهِ ما هُوَ بِالشِّعرِ ولا بِالسِّحرِ و لا بِالكِهانَةِ ، يا مَعشَرَ قُرَيشٍ ، أطيعوني وَ اجعَلوها بي ، و خَلّوا بَينَ هذَا الرَّجُلِ و بَينَ ما هُوَ فيهِ فَاعتَزِلوهُ ، فَوَاللَّهِ لَيَكونَنَّ لِقَولِهِ الَّذي سَمِعتُ مِنهُ نَبَأٌ عَظيمٌ ، فَإِن تُصِبهُ العَرَبُ فَقَد كُفيتُموهُ بِغَيرِكُم ، و إن يَظهَر عَلَى العَرَبِ فَمُلكُهُ مُلكُكُم و عِزُّهُ عِزُّكُم ، و كُنتُم أسعَدَ النّاسِ بِهِ . قالوا : سَحَرَكَ وَاللَّهِ يا أبَا الوَليدِ بِلِسانِهِ ، قالَ : هذا ، رَأيي فيهِ ، فَاصنَعوا ما بَدا لَكُم .۲

۲۴۹. الاحتجاج عن هشام بن الحكم : اِجتَمَعَ ابنُ أبِي العَوجاءِ ، وأبو شاكِرٍ الدَّيصانِيُّ الزِّنديقُ ، وعَبدُ المَلِكِ البَصرِيُّ ، وَابنُ المُقَفَّعِ عِندَ بَيتِ اللَّهِ الحَرامِ ، يَستَهزِئونَ بِالحاجِّ ويَطعُنونَ عَلَى القُرآنِ.
فَقالَ ابنُ أبِي العَوجاءِ: تَعالَوا نَنقُض كُلُّ واحِدٍ مِنّا رُبعَ القُرآنِ وميعادُنا مِن قابِلٍ في هذَا المَوضِعِ، نَجتَمِعُ فيهِ وقَد نَقَضنَا القُرآنَ كُلَّهُ، فَإِنَّ في نَقضِ القُرآنِ إبطالَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ، وفي إبطالِ نُبُوَّتِهِ إبطالَ الإِسلامِ وإثباتَ ما نَحنُ فيهِ . فَاتَّفَقوا عَلى‏ ذلِكَ وَافتَرَقوا .

1.فصّلت : ۱ - ۵ .

2.السيرة النبويّة لابن هشام : ج ۱ ص ۳۱۳ ، تفسير ابن كثير : ج ۷ ص ۱۵۱ ، دلائل النبوّة للبيهقي : ج ۲ ص ۲۰۴ نحوه ، كنز العمّال : ج ۱۲ ص ۳۹۸ ح ۳۵۴۲۸ .

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27705
صفحه از 616
پرینت  ارسال به