نستنتج بأنّ التحريف قد نفذ في المصحف الحالي؛ نظراً إلى الاختلافات التي رويت بشأن هذه المصاحف، مقارنة مع المصحف الحالي.۱
نقد الدليل
إنّ مثل هذا الاستدلال مرهون - كما ذكرنا بشأن مصحف أمير المؤمنين عليه السلام - بأن تكون المصاحف المدّعاة تحت تصرّفنا، وأن يكون بمقدورنا المقارنة بينها وبين القرآن الحالي، ولا يمكن أن ندّعي نفوذ التحريف بالنقصان في القرآن بمجرّد الاستناد إلى الروايات التاريخية التي لا تثبت -هي أيضاً - الملازمة بين وجود هذه المصاحف ونفوذ التحريف في القرآن.
ويمكننا أن نستنتج من توصيفات مصاحف الصحابة في المصادر التاريخية والروائية: أنّ اختلاف مصحف ابن مسعود ومصحف اُبيّ بن كعب عن المصحف الحالي كان في الإضافات التفسيرية وتحويل بعض الكلمات الغريبة في القرآن إلى كلمات اَُخرى لشرحها وإيضاحها، ممّا لا يضرّ بنزاهة القرآن عن التحريف.
نعم تفيد مصادر أهل السنّة أنّ مصحف ابن مسعود كانت فيه اختلافات اُخرى مع القرآن، وعلى سبيل المثال: فإنّه لم يعتبر المعوّذتين من سور القرآن. ولكن فضلاً عن أنّ سند هذه الروايات واعتبارها بحاجة إلى التأمّل، فإنّ من الواضح أنّه عندما يحدث اختلاف بين مصحف ما من جهة وبين المصاحف الاُخرى والقرآن الحالي من جهة اُخرى، فإنّ من غير الممكن الانحياز إلى مصحف واحد بحكم العقل، بل إنّ القرآن الحالي ثابت بالتواتر، في حين أنّ مثل ذلك المصحف يقوم على خبر الواحد.
ثمّ إنّ مصحف ابن مسعود يعارض الأدلّة القطعية بشأن خلو القرآن من التحريف. وفضلاً عن ذلك فإنّ من غير المستبعد أن تكون نسبة مثل هذه الاختلافات - إلى ابن مسعود ومصحفه - بدافع الانحياز إلى عثمان وتبرير نوع المواقف التي كان قد اتخذها مع ابن مسعود.